رسائل أوباما من فاتيكان المال

16/09/2009 0
محمد العنقري

أراد الرئيس الأمريكي أوباما توجيه عدة رسائل إلى صناع المال من قلب الاقتصاد الأمريكي وول ستريت حي المال في الذكرى الأولى لانهيار بنك ليمان براذر الاستثماري الشهير حتى يكون لرسائله صدى أقوى ولكي يحفر بذاكرة الجميع أن ما حدث كان بصنع أيديكم ولن يسمح بتكراره مستقبلا فعليكم التأقلم مع الوضع الجديد وتحمل مسؤولياتكم اتجاه مستقبل الاقتصاد الأمريكي وقد استخدم أوباما لغة أقرب للتهديد منها للوعظ أو تقديم النصائح فهو يتحدث بلسان دافعي الضرائب الذين أنقذوا بأموالهم المؤسسات المالية العريقة وشركات عديدة بقطاعات مختلفة لتصبح الحكومة الأمريكية شريكا بها وممثلا لدافعي الضرائب فيها حتى تقف على قدميها من جديد وتتخارج الحكومة منها كالتزام بمنهج الرأسمالية والاقتصاد الحر.

لكن الرئيس الأمريكي أراد القول من وول ستريت بأن هناك تاريخاً مفصليا كتب هنا وهو 14 سبتمبر 2008 سيؤرخ لمرحلة ما قبل ليمان وما بعده فقد اضطرت أمريكا من بعد هذا التاريخ إلى لبس ثوب الاشتراكية بتأميم شركات والتدخل بالأسواق، فاليوم من أهم ما أفرزه انهيار ليمان براذر هو تغيير وإصلاح القوانين الضابطة للتعامل بالأسواق المالية وخصوصاً المشتقات فالبنك المنهار يعتبر رائداً بها حيث لديه أكثر من 20 نظاماً للتعامل معها وبعمليات معقدة تقدر بمئات المليارات من الدولارات يصعب تفكيكها حتى أنهم يستعينون بشركة مختصة بالتسعير (نوميريكس) لأجل ذلك فمن الآن سيكون العمل بالأسواق المالية الأمريكية أكثر صعوبة من حيث القيود والضوابط حتى لا تتكرر الكارثة وتقضي على اقتصاد أمريكا حلمها الدائم وهدفها نحو السيطرة العالمية والرفاهية الداخلية، حيث يعيش أربعون مليون فقير فيها كما أن الاقتصاد لعبة الأحزاب نحو الفوز بالانتخابات.

ومن هذا المنطلق كانت رسالة أوباما الثانية للساسة الأمريكان يحثهم فيها على عدم عرقلة القوانين ومشاريع التحفيز الحالية والمستقبلية فهو ألقى باللائمة عليهم واعتبر أن الخطأ كان مشتركاً بين الطرفين فهو يريد من الكونجرس أن يعي أهمية التعاون مع الحكومة لضبط حركة الأسواق وإصلاح القوانين الاقتصادية نحو الدفع باتجاه إلغاء كل الجوانب السلبية التي اعترت المرحلة السابقة منذ عقود وكذلك تعزيز الثقة بالاقتصاد الأمريكي وجذب الاستثمار له من خلال توجيه رسالة ثالثة للعالم بأننا جادون بإصلاحاتنا ومقتنعون بخطواتنا وأن الاتجاه نحو الخروج من الكساد وعودة النمو أصبحت أكيدة كما أراد أن يحث الدول الكبرى اقتصاديا نحو الاستمرار بدفع عجلة تنشيط الاقتصاد العالمي حتى يكونوا شركاء بمعالجة الأزمة ويتقاسموا معها المسؤولية لإنقاذ الاقتصاد العالمي من براثن الوقوع بكساد شامل.

إن خطاب أوباما في وول ستريت أراد أن يبرر فيه إطلاق صلاحيات الحكومة الأمريكية وكذلك البنك الفيدرالي في إدارة الأسواق ومفاصل الحركة الاقتصادية إلى حين انتهاء الأزمة وأن فوضى الأسواق والمكاسب الخرافية ولت إلى غير رجعة وبنفس الوقت أراد أن يطمئن الجميع أن الحكومة ستعيد الأمور إلى نصابها عندما يكون الوقت مناسبا ولن تبقى شريكا بالأسواق فهي تريد ضبطها وتعقيمها لتجفيف الوحل الذي أصابها بمياه آسنة حتى تعبد الطريق من جديد نحو مستقبل أفضل, فهل ستكون مشكلة الأزمة المالية فقط في ما م كشفه إلى الآن من أخطاء أم سيحصل تغير جوهري من خلال العلاقة الحكومية بالأسواق يؤثر على حجم الاقتصاد الأمريكي وستدفع أمريكا ثمنين باهظين الأول تسبب بالأزمة والثاني سيقضي على مركز الزعامة العالمية لصالح القادمون الجدد.

فوول ستريت كانت تعتقد قبل الأزمة المالية أنها فاتيكان المال مستقلة بكل شيء واليوم أراد الرئيس أوباما أن يقول لهم أنتم تحت مسؤولية الحكومة الأمريكية ورقابتها وعليكم أن لا تنسوا ذلك وتعتادوا عليه.