التحليل الفني سلاح في يد المستثمر (2 من 2)

27/08/2012 4
د. فهد الحويماني

قدمنا في الأسبوع الماضي تعريفاً لأهم عناصر التحليل الفني، وكيف أن المحلل الفني يركز على حركة سعر السهم وكمية التداول واتجاه مؤشرات السوق الفنية ويحاول من خلالها التنبؤ بحركة السهم المستقبلية. وظهرت على مدى السنين الماضية طرق وأساليب عديدة تهدف إلى تحليل وضع الأسهم والتوصل إلى إشارات بيع وشراء وتوظيف مفاهيم من علوم أخرى لدراسة حركة الأسهم كنظريات الموجات وأرقام فيبوناتشي، وغيرها.

وعلى الرغم من أنني أعتبر نفسي محللاً أساسياً (أو مالياً)، إلا أن لي اهتمامات في التحليل الفني قادتني قبل سنوات عدة إلى الحصول على شهادة محلل فني معتمد من الجمعية الأمريكية للتحليل الفني، وأعتقد أن التحليل الفني مفيد للغاية، وهو مفيد بشكل كبير على المدى القصير أكثر منه على المدى الطويل، والعكس بالنسبة للتحليل الأساسي. على سبيل المثال، من المؤكد أن مبيعات الشركات وأرباحها لن تتغير خلال ساعة من الزمان، ولن تتغير قدراتها التنافسية خلال هذه الساعة، ولن تتغير حالة الاقتصاد خلال ساعة من الزمان، لذا فكلما كانت المدة الزمنية للمتعامل قصيرة، فإن التحليل الفني يكون مجدياً أكثر من التحليل الأساسي. والأفضل دوماً مزج الطريقتين للخروج بأفضل النتائج.

وفي رأيي أن التحليل الفني ينطبق على أسهم السوق السعودية أكثر مما ينطبق على الأسهم في الأسواق الكبرى، كالسوق الأمريكية على سبيل المثال، وذلك لعدد من الأسباب منها:

1. متى ما كان المتعاملون في السوق على دراية جيدة بأساليب التحليل الفني، فإن ذلك يضعف من إمكانية الاستفادة من التحليل الفني. فعندما يستطيع عدد كبير من المتعاملين، بسبب استخدامهم أدوات التحليل الفني ذاتها، معرفة حدة التجميع والتصريف الواقعة في أحد الأسهم، أو عندما يعرفون أن سهماً يمر باتجاه صاعد أو أن فجوة سابقة قد أصبحت مكان دعم، وهكذا، فهم بلا شك سيتسابقون على اقتناص هذه الفرص، الأمر الذي يؤدي إلى تقليص مدى الاستفادة من هذه الاكتشافات.

2. متى ما كان السوق كبيراً من حيث عدد المتعاملين وعدد الشركات وكانت أوقات التداول فيه طويلة وكان يتمتع بكفاءة عالية (وفقاً لمفهوم كفاءة السوق) كلما تضاءلت فرص الاستفادة من أي ثغرات فيه، سواء باستخدام التحليل الفني أو غيره. وبما أن السوق السعودية تسجل علامات ضعيفة في كل مما سبق، فبالتالي تكون للتحليل الفني فائدة كبيرة.

ومن مشاهدات عديدة لحركة الأسهم السعودية، نجد أن مفهوم الدعم والمقاومة يتكرر باستمرار ونشاهد أماكن يتم احترام الدعم والمقاومة فيها كما ينبغي وباستخدام أعمدة زمنية مختلفة. فمثلاً نشاهد الدعم والمقاومة في الرسم البياني المكون من أعمدة زمنية بطول ساعة واحدة أو بطول يوم أو أسبوع، وكذلك نشاهد انطباق ظاهرة تحول الدعم إلى مقاومة والعكس. وأمثلة كثيرة تبين حالات الانطلاق من منطقة مقاومة أو الانطلاق من موجة هابطة بكميات تداول عالية كما هو معروف في أدبيات التحليل الفني، التي تتبعها غالباً فترة جني أرباح بكميات تداول متدنية، التي تكون غالباً فرصة للدخول في السهم. ومن الإشارات المعروفة هناك يوم الانعكاس الذي يتحقق عندما يكون السهم في اتجاه صاعد ثم يحقق سعراً عالياً جديداً في ذلك اليوم، لكنه يغلق تحت إغلاق اليوم السابق بكمية تداول عالية نسبياً، وهو الأمر الذي يعني أن الموجة الصاعدة قد انتهت وبدأ السهم في الهبوط على المدى القصير. حتى الفجوات، التي تحدث عندما تكون حركة السهم خلال اليوم أعلى من أعلى سعر حققه في اليوم السابق، تحدث كثيراً في السوق السعودية، وتكون هناك مراقبة لمنطقة تعبئة الفجوة، عندما يزور السهم لاحقاً المنطقة التي شكلت الفجوة، فتكون منطقة شراء.

وهناك مفاهيم كثيرة تنطبق في السوق السعودية مثل النماذج السعرية كالرأس والكتفين والكوب بعروة والأعلام الصاعدة والهابطة، وكذلك المؤشرات الفنية المعروفة مثل مقياس ماك دي وآر أس آي وغيرها. ورصدت حالات كثيرة من هذه الأمثلة في كتاب المال والاستثمار بقصد التوضيح بأنها موجودة في السوق السعودية ويمكن الاستفادة منها، وهي بلا شك تحتاج إلى الممارسة المستمرة والتدرب على كيفية تفسيرها ومزج عدد من الأدوات والأساليب للخروج بنتيجة تناسب المتداول وتتماشى مع المساحة الزمنية التي يتبعها ونسبة المخاطرة التي يعمل بها.

كثير من دور الاستثمار الكبرى في العالم تأخذ بالتحليل الفني إلى جانب التحليل الأساسي، وذلك بسبب عدم قدرة كبار المحللين على فهم ما يجري في السوق من خلال التحليل الأساسي فقط، لذا أعتقد أنه من الجهل أن يتعصب المحلل الأساسي إلى رأي واحد أو أسلوب واحد ويستغني عن أسس التحليل الفني التي أثبتت جدواها في السنوات التي كانت تمر فيها الأسهم بمراحل هبوط أو صعود حادة. كذلك بدأ كثير من كبار المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة في السنوات الأخيرة اللجوء إلى صناديق التحوط، التي هي عبارة عن صناديق استثمارية تدار بأساليب عديدة، أغلبها باستخدام طرق مبنية على التحليل الفني. وفي رأيي أنه إذا كان الشخص لا يعرف أساليب التحليل الفني، فيجب ألا يضارب في الأسهم على المدى القصير، وقد يكون من الأولى به تعلم التحليل الأساسي ويستثمر بنفسه أو أن يودع ماله لدى بعض الجهات المتخصصة في ذلك.