هل تتمتع سوق الأسهم السعودية بكفاءة عالية؟

30/07/2012 7
د. فهد الحويماني

تقاس جودة الأسواق المالية بمستوى الكفاءة فيها، ويقصد بذلك، بخصوص أسواق الأسهم، أن أسعار الأسهم في أي وقت من الأوقات مسعرة بأفضل الأسعار الممكنة، وألّا جدوى هناك من الحديث عن أسهم أسعارها الحالية مرتفعة أو منخفضة، فجميع الأسهم مسعرة بسعرها العادل في أي وقت من الأوقات. لذا فعند النظر إلى سعر سهم معين في أي لحظة من اللحظات فإن ما نشاهده هو السعر الذي اتفق عليه جموع البائعين والمشترين، ولا يمكن لهذا السعر أن يكون مختلفاً عما هو عليه في هذا الوقت! هذا الافتراض يقوم على أساس أن هناك آلاف المحللين والمتابعين لكل شركة من الشركات التي تباع أسهمها في السوق وتشترى، وأن هؤلاء الأشخاص لهم مصالح كبيرة وتدفع لهم مبالغ طائلة لمتابعة تطور وأداء كل شركة تقع تحت اختصاصهم، لذا فمن غير الممكن للقيمة الحقيقية لأي شركة أن تكون مختلفة عما يعكسه سعر السهم الخاص بها في أي وقت من الأوقات. فلو فرضنا أن القيمة ''الحقيقية'' للسهم أعلى مما هي عليه الآن، فذلك يعني أن محللين ومتابعين آخرين قد اكتشفوا الشيء ذاته، بحكم أن الكل لديهم المعلومات نفسها وجميعهم يتصرفون بعقلانية ويستخدمون أدوات التحليل ذاتها، لذا فإنهم سيقومون على الفور بشراء السهم المنخفض حتى يرتفع سعره ويصل إلى السعر ''الحقيقي''، ولو كان السعر الحالي أعلى من القيمة ''الحقيقية'' للسهم، فإن تصرف جموع المشاركين في السوق سيقود لا محالة إلى هبوط السعر إلى مستواه ''الحقيقي''!

إن هذا المفهوم في الواقع خطير جداً، كونه يعني أن ما يقوم به المحللون مضيعة للوقت، ذلك لأن القاعدة التي ينطلق منها هؤلاء الأشخاص (وهي مصدر رزقهم) مبنية على أن السعر الحالي غير صحيح، وأن هناك سعراً آخر أعلى أو أقل من السعر الحالي بشكل كاف سينجلي في المستقبل، وعن طريقه يتحقق الربح المنشود. وهذا يتعارض مع فرضية كفاءة السوق التي تقول: إن السعر الحالي هو السعر الحقيقي، وإن أي سعر في المستقبل هو سعر عشوائي تحكمه ظروف لا نعلم عنها ولن نعلم عنها إلا بعد أن تتحقق.

تقع هذه الفرضية في ثلاثة أشكال، نستعرضها فيما يلي ومن ثم نحاول أن نتعرف ما إذا كانت السوق السعودية تتمتع بأي من هذه الأشكال.

1. الدرجة الأولى: لكفاءة السوق تسمى ''الشكل الضعيف''، تقول: إن السعر الحالي يعكس جميع البيانات التاريخية للأسعار، فلا فائدة من القيام بالتحليل الفني للأسهم، لأن الأسعار الماضية ليس لها أي تأثير على الأسعار المستقبلية.

2. الدرجة الثانية: لكفاءة السوق تسمى ''الشكل شبه القوي''، تقول: إن السعر الحالي يعكس جميع المعلومات العامة المتاحة للمتعاملين كافة، مثل البيانات التاريخية للأسعار والبيانات المالية للشركات وخططها الاستراتيجية وأي أخبار عنها، أي أنه لا فائدة من القيام بالتحليل الأساسي ولا التحليل الفني، لأن جميع هذه البيانات والمعلومات والأخبار قد تم أخذها في الحسبان بالأسعار الحالية.

3. الدرجة الثالثة: لكفاءة السوق تسمى ''الشكل القوي''، تقول: إن السعر الحالي يعكس جميع المعلومات العامة و''الخاصة''، المعروفة لعامة الناس أو المعروفة لفئة معينة، وأن السعر الحالي هو أفضل سعر متاح ولا يمكن تحقيق ربح غير عادي بأي حال من الأحوال، وتحت أي ظرف من الظروف.

هذه الدرجة الثالثة من كفاءة السوق بلا شك صعبة المنال ولا تحصل بهذا الشكل حتى في أكبر الأسواق المالية وأكثرها نضجاً مثل بعض أسواق السندات والعملات، ولا حتى في أكبر أسواق الأسهم في العالم وأقواها، والسبب هو أن المعلومات الداخلية التي تقع في متناول العاملين في الشركة قبل نشرها لعامة الناس يمكن الاستفادة منها لتحقيق أرباح كبيرة، وبهذا مخالفة واضحة للدرجة الثالثة. إلا أن الدرجة الثالثة هي الشكل المثالي للأسواق المالية التي من المفترض أن تكون عليه، حيث لا يمكن لأي شخص التلاعب بالأسعار ولا بالإمكان تحقيق ربح أعلى من الربح العادل المبني على النتائج الفعلية للشركات ومستوى النمو المتوقع لها.

 أما الدرجة الثانية فإنها تنطبق على كثير من الأسواق المالية، بما في ذلك أسواق الأسهم، ولكن بدرجات متفاوتة، وهي تعني أنه من الصعب جداً على المستثمر أن يحقق مكاسب أعلى من ذلك المتحقق من الاستثمار في السوق ككل، وبشكل مستمر، بالاعتماد على ما هو متاح من معلومات وبيانات وأخبار عن الشركات، لأنها جميعا قد تم عكسها في الأسعار الحالية، ويستثنى من ذلك المعلومات الداخلية إذا ما تم التداول بناء عليها.

 أما بالنسبة للدرجة الأولى ''الشكل الضعيف''، فهو المشاهد في كثير من الأسواق حول العالم، وطريقة معرفة ما إذا كانت السوق السعودية تتمتع بهذا الشكل الضعيف أم لا، تتم من خلال بعض الطرق الإحصائية، حيث تتم دراسة تغير قيمة المؤشر، أو سعر أي سهم من الأسهم، من يوم إلى آخر وينظر إذا كان التغير عشوائياً أم لا، وما إذا كانت هناك علاقة بين سعر اليوم وسعر الغد، وهل التغيرات مترابطة ببعضها البعض أم مستقلة عنها تماماً. فلو أن السهم ارتفع ريالاً واحداً هذا اليوم، فإن حركته في اليوم التالي مستقلة عن هذا التغير، فيقال: إن تغير سعر السهم يتبع مساراً عشوائياً. هذا يعني ألا فائدة من محاول دراسة الأسعار الماضية لاستشراف الأسعار المستقبلية، وهو صلب ما يقوم عليه التحليل الفني، وذلك لعدم وجود علاقة بين هذه الأسعار.

وبحسب دراسات قديمة على السوق السعودية تبين أن الأسعار تتبع المسار العشوائي، وبذلك فإن السوق السعودية، حسب هذه الدراسات، تتمتع في الدرجة الأولى من الكفاءة، ما يعني أن التحليل الفني ليس له فائدة. ولكن باعتقادي أن السوق السعودية لا تتمتع بالشكل الضعيف في كل الأوقات، بمعنى أن هناك جدوى من دراسة البيانات التاريخية لحركة الأسعار وكميات التداول، وبالإمكان تحقيق ربح أعلى من ربح السوق. كما أنه شبه مؤكد بأن سوق الأسهم السعودية لا تعمل حسب الدرجة الثانية لكفاءة السوق، وبكل تأكيد لا يعمل حسب الدرجة الثالثة بتاتاً، مثله مثل جميع الأسواق. ومن المعروف أنه كلما كانت السوق عريقة وكثر فيها عدد المشاركين وتوافرت فيها المعلومات للجميع بوقت واحد، فتكون كفاءة السوق فيها عالية، وطالما أن السوق السعودية ضعيفة في هذه العوامل، فمن المتوقع ألا تكون السوق ذات كفاءة عالية، ما يعني أن هناك ثغرات كبيرة ومتعددة يمكن للمتداول الحذق استغلالها والاستفادة منها لتحقيق عوائد أعلى من عوائد السوق.

بقي أن أوجه دعوة للمختصين في علوم الإحصاء ولطلبة الدراسات العليا من ذوي الاختصاص في الجامعات للقيام باختبار الدرجة الأولى من كفاءة السوق ومدى انطباقها على السوق السعودية، ولا سيما في السنوات الأخيرة نتيجة النشاط الكبير في سوق الأسهم وكثرة المتعاملين فيها.