البيضة الذهبية

01/09/2009 2
بدر البلوي

إن جميع من يتعامل في الأسواق المالية سواء كانت حاضرة أو مستقبلية، نقد أو أسواق رأس المال الجميع يبحث عن شيء واحد فقط وهو الربحية والعائد على رأس المال المستثمر(من وجهة نظر مستثمر). قد يختلف معي الكثير حول ما سيتم طرحه ولكن من وجهة نظري أنها هي الطريقة الأجدى أو المفتاح الفعلي الذي لم يتم التصريح عنه في جميع النظريات التي طرحت عن الاستثمار.

يعرف الاستثمار : هو الالتزام الحالي بتوفير أموال أو أية موارد أخرى مع توقع الحصول على مكاسب مادية مستقبلية مقابل المال المستثمر. من هنا بدأت النظريات الواحدة تلو الأخرى تطرح على الساحة الاستثمارية بقصد دعم القرارات الاستثمارية في محاولة جادة لتقليل المخاطر والحصول على أعلى عائد مع أقل درجة مخاطره ممكنه، الكثير من النظريات كانت ومازالت تنادي بالتنويع الاستثماري وان تتكون المحفظة الاستثمارية من عدد من الأصول يكون الارتباط بينها ارتباط سلبي (التي تميل إلي التحرك في اتجاهات معاكسة مما يقلل المخاطر ويزيد من فوائد التنويع). يقول البروفيسور هاري ماركويتز الذي نادى بنظرية منحنى الكفاءة (حائز على جائزة نوبل) أن الاستثمار في أوراق مالية تقع على منحنى الكفاءة هو الأفضل، حيث تقوم نظرية ماركويتز على رسم كل المجموعات المكونة من الأوراق المالية في المحفظة وبنسب مختلفة على رسم بياني، ويوضح الرسم المخاطر التي تقاس عبر الانحراف المعياري على المحور السيني والعائد المتوقع على المحور الصادي.(حيث أن منحنى الفاعلية أو الكفاءة يبين ذلك الخليط من الأوراق مالية التي تمثل العائد الأعلى مقابل أدني مستوى من المخاطر).

وبالنظر فعليا إلي أداء المحافظ التي تطبق هذه النظريات وهي تشكل النسبة الأعظم عالميا نجد أن الغالبية العظمى لا تحقق أرباح غير طبيعية بل يكون العائد على المحفظة مقارب لعائد السوق أو أعلى منه بقليل (حسب أداء مدير المحفظة وتحكمه في بيتا المحفظة مع ارتفاع وانخفاض السوق مع المحافظة على الأوراق المالية التي تقع على منحنى الكفاءة أو الأقل مخاطرة وأعلى عائد).

بناء على ما سبق ذكره فان ما يطالب به أساتذة التحليل المالي هو التنويع بالمحفظة وشراء عدد متنوع من الأسهم يحتوى على تشكيلة من القطاعات على المستوى المحلي وعلى المستوى الإقليمي والدخول بعدد اكبر من الأسواق المالية لتوزيع المخاطر بحيث في حال انخفاض احد الأسهم (أو الأسواق) يتم تحميله على سهم آخر رابح لموازنة المحفظة الاستثمارية، وهو تقريبا ما تفعله الصناديق الاستثمارية لدى البنوك حيث تقوم بشراء عدد كبير من أسهم السوق المالي وبنسب معينه يتم حسابها وفقا لوزن الشركة بالسوق ليصحب تحرك السوق بمقدار 2% يوازيه تحرك الصندوق بنفس النسبة ونفس الاتجاه. ولو تمعنا قليلا في بعض المستثمرين الذين حققوا أرباحا غير عادية أو تفوقوا على أداء الأسواق بشكل كبير لوجدنا أن هناك اختلافا كبيرا بينهم وبين هذه النظريات وان تقاربت بعض الأمور حول تقييم الشركات، وبالنظر إلي احد هؤلاء المستثمرين – السيد وارن بافيت - لوجدناه قد استثمر معظم أمواله في شركة بيركشير هاثاويه، يقول السيد بافيت (لا يمكنني الاستثمار في خمسين أو سبعين شركة في آن واحد فذلك مثل الاستثمار في أشياء تفوق قدرتك وسينتهي بك الأمر مستثمرا في حديقة حيوانات)، كما قال (التنويع درع واق من الجهل وله نتائج ضئيلة لمن لا يعرف طبيعة ما يفعل).

بالنظر إلي محفظة السيد وران بافيت لأخر 10 سنين حسب ما تم نشره في عدد من المصادر لوجدنا أنها تتكون من عدد أقصى 10 شركات في أفضل الأحوال وتحتل شركة بيركشير هاثاويه النسبة الأعظم منها. يقول المستثمر فليب فيشر وهو احد كبار المستثمرين الذين حققوا الثراء من الأسواق المالية انه يفضل امتلاك عدد قليل من الشركات المبرزة على امتلاك عدد أكبر من الشركات متوسطة الأداء، وعلى العموم فان محفظته الاستثمارية ضمت عددا أقل من عشر شركات، وقد تمثل في غالب الأحيان 75% من مجموع هذه المحفظة بثلاث أو أربع شركات. إذا ومن خلال بعض الأمثلة التي تم طرحها - علما بأنه يوجد عدد أكبر من المستثمرين الذين حققوا أرباحا غير عادية وتفوقوا على عائد السوق بأضعاف مضاعفه - كانت أهم الأسباب في تحقيق هذه العوائد هو العدد القليل من الأسهم الموجودة في تلك المحافظ الاستثمارية.

إن جميع هؤلاء المستثمرين ومن خلال قراءتي لبعض هذه الحالات الغير طبيعية نجد أنهم انتهجوا منهج الأستاذ بن يامين غراهام الذي نادى بنظرية القيمة، وشراء عدد محدود من الأسهم حيث قامت قناعة غراهام على بعض الافتراضات أهمها أن السوق في كثير من الأحيان تضع أسعارا مغلوطة، ويعود ذلك عادة إلي العواطف البشرية من خوف وجشع فالجشع في أقصى درجات التفاؤل يدفع بالأسهم إلي أبعد من قيمتها الذاتية مما يؤدي إلي سوق أسعاره زائدة، والخوف يدفع بالأسهم في أحوال أخرى إلي أقل من قيمتها الذاتية فيؤدي إلي سوق متدنية الأسعار.وكان ثاني أهم افتراضاته التي قامت على الظاهرة الإحصائية المعروفة بـ ( العودة إلي المتوسط الحسابي) حيث أن السوق سينهض من كبوته غدا. كان العامل الرئيسي للمستثمرين الذين حققوا تلك الأرباح وتفوقوا على العالم بأسره في أدائهم هو انتقاء شركة أو اثنتين تكون مقيمه بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية بسبب عوامل مالية متعددة وشرائها في أسوءا الظروف الاقتصادية والمالية إلى أن يقف السوق مره أخرى من كبوته ويتحسن الاقتصاد مما ينعكس بدوره على تحسن أداء الشركات وربحيتها ويتم بيعها بأضعاف مضاعفه عن الأسعار التي تم شراءها أو الاحتفاظ بها والاعتماد على الأرباح الموزعة على السهم.

 بالنظر لوضعنا الحالي اليوم ولو تمعنا قليلا في بعض الشركات المطروحة في الأسواق المالية سواء المحلية أو الإقليمية لوجدنا عدد كبير من هذه الشركات مقيمة بشكل متدني للغاية. مثال للتوضيح: احد البنوك التي تأثرت بالأزمة المالية الحالية كان يتداول السهم بـ 50 دولار وعائد سنوي 3 دولار للسهم بسبب الأزمة المالية، حقق البنك خسائر وانخفض سعر السهم إلي دولار ولكنه لم يفلس ( وبعد دراسة القوائم المالية للشركة ووضعه المالي وحساب جميع النسب المالية وعمل دراسة مستقبلية للشركة وجدنا أن احتمالية إفلاس البنك ضعيفة جدا وبوادر التعافي من تلك الأزمة كبيرة ) توقف البنك عن صرف الأرباح في الوقت الراهن بسبب الخسائر المحققة – تم شراء هذا البنك بسعر دولار وتم الاحتفاظ به (لحين تحسن الاقتصاد) تحسن الاقتصاد العالمي وبالتالي انعكس على أداء ذلك البنك عاد البنك ليحقق أرباح بعد تلك السنين وعاد لمستويات الربحية السابقة قبل الانهيار وعاد ليوزع 3 دولار للسهم ما هو العائد على ذلك السهم بغض النظر عن السعر السوقي في تلك اللحظة؟؟؟؟؟ نجد أن المحصلة هي أن الاعتماد فقط على التوزيعات النقدية يمثل عائد كبير جدا قد يتجاوز أضعاف المبلغ المستثمر، والذي سيؤدي بدوره إلي ارتفاع القيمة السوقية للسهم بشكل أكبر فتكون الفائدة من الاتجاهين وهما الأرباح الموزعة على السهم والسعر السوقي للسهم.

هذا ما حصل فعليا لهؤلاء المستثمرين فكان أسباب نجاحهم هو التوقيت المناسب للشراء – والشراء في أسوء ظروف السوق – شراء الأسهم التي تقل قيمتها عن القيمة الفعلية لتلك الشركة – والاحتفاظ بتلك الأسهم لفترة طويلة - أيضا شراء أسهم تلك الشركات في أوقات عصيبة جدا إن لم تكن الشركة قد تعثرت فعلا. فكل ما فعله وران أو فيلب هو شراء شركة واحد في وضع سيء للغاية تكون الشركة تحقق خسائر ومن ثم يتملكوا جزءا كبير من أسهم الشركة فتنهض الشركة بهم مره أخرى ليكون الاعتماد الكلي على التوزيعات النقدية. إن العالم يمر بدورات اقتصادية معروفه لدى الجميع (نمو- ازدهار – نضوج – انكماش) وتمر هذه الدورات أيضا على الشركات وما يهم هنا في حالة الانكماش وتدني نفسية المتعاملين بالأسواق وخوفهم المبالغ فيه حيال تلك الشركات تتكون لدينا فرصة لتكوين الثروة كما حصل لهؤلاء المستثمرين فكل ما عليك القيام به هو التوقيت السليم وعمل الدراسات والتصورات المالية للشركة واقتناص الفرص، فكثير من الفرص لا تتاح كثيرا فيكون عمر بعض تلك الدورات الاقتصادية أكبر بكثير من عمر الإنسان . ولا ننسى أبدا المقولة الشهيرة ( الأزمات تصنع الثروات) ...