إلى هيئة مكافحة الفساد: الوقاية خير من العلاج

09/04/2012 6
سعود الأحمد

تقوم الهيئة العامة لمكافحة الفساد السعودية بجهود مشكورة لمواجهة معضلة الفساد الإداري.. وطبيعي أن الطريق لن يكون ممهدا أمامها بالورود والرياحين. وهذا التحرك يجب تحذو حذوه جميع الدول العربية التي تعمل على مواجهة الفساد.

لكنني أعتقد أن أهم ما تحتاجه مثل هذه الهيئة في هذه المرحلة حتى ينجح مسعاها، أن تعمل على إثارة مشاعر الفضيلة وفضح الممارسات الرذيلة بالطرق النظامية والدق بمهارة على الأوتار الحساسة للإجراءات الوقائية. وأقصد بذلك أن توجد أنظمة واضحة وآليات عمل سهلة تفضح ممارسات الفساد.

وبحيث يتم التركيز على إصلاح بيئات العمل لتكون خصبة لنمو ثقافة الإصلاح.. على طريق مواجهة ممارسات الفساد بأنواعه، وليعرف المجتمع ما هو الفساد ومن هم أهله وأساليبه الملتوية التي تستغل ثغرات النظام! ومن الآليات الوقائية التي يمكن لها أن توظف لتعمل بفعالية في مواجهة الفساد، أن يتم تصميم بيانات تلزم كل جهة بأن يوضح مسؤولوها (وبالأخص كبار المسؤولين فيها) نسب ملكيتهم وملكية أقاربهم كعلاقة مباشرة أو غير مباشرة في المنشآت التي يقومون بحكم مناصبهم بالإشراف عليها، وعلى أن يتم تحديث هذا البيان سنويا. فهذه البيانات سوف تجعل المسؤول يتردد في توظيف الكرسي لخدمة مصالحه الخاصة. وحتى لا يخص أحد دون غيره بالتقصي والمساءلة، لأن النظام عندما يصدر سيكون واضحا ومطبقا على الجميع.

والأمر يحتاج فقط إلى إصدار قرار من صاحب الصلاحية يستند إلى اللوائح السابق صدورها، والتي تجرم إساءة استخدام السلطة واستغلال المنصب للمصالح الشخصية وممارسة الأعمال التجارية في ظل تضارب المصالح. وعلى أن يقنن توثيق ملكية المسؤولين للمنشآت التي تدخل ضمن الأنشطة التي يشرفون عليها ويلزم الجميع بتعبئة هذه البيانات، ولنسميها (مثلا) بيانات النزاهة والشفافية.

وعند ذلك.. فإن قطاعا مثل التربية والتعليم (مثلا): إذا وجد به مسؤولون يملكون أو يشاركون في ملكية مدارس أهلية يشرفون عليها بحكم مناصبهم، فإنهم سوف يترددون في أي مخالفات إدارية أو ممارسات فساد. والفكرة هنا: أنه ومن جانب آخر ستكون تعبئة هذه البيانات بمثابة وثيقة ضدهم ستقض مضاجعهم في كل الأحوال. فإن أوضحوا ملكيتهم لهذه المدارس، فهذه ستكون إدانة واضحة لهم في كل مخالفة أو تغاض لصالح هذه المدارس. وإن أخفوا ملكيتهم في هذه المدارس، فهذا من باب الكذب وإخفاء الحقائق وفيه إدانة قانونية لهم وجريمة.

والأمر ينطبق على كل من يمارس سلوكا مماثلا.. من كبار المسؤولين بوزارة الصحة ممن يملكون المستشفيات والمستوصفات والعيادات والصيدليات والمختبرات ومراكز الأشعة والمراكز الطبية الأخرى! ومثلهم من كبار الموظفين بوزارة النقل وإدارات المرور ممن يملكون شركات مقاولات تنفيذ الطرق أو صيانتها أو رصفها وشركات تأجير السيارات (والليموزينات) وشركات النقل البري وغيرها من المؤسسات التي يشرفون عليها. ومثل المسؤولين بإدارات التعليم الفني الذين يملكون معاهد التدريب بمختلف أنواعها ومستوياتها! ومثلهم موظفو البلديات على اختلاف مستوياتهم الوظيفية، ممن يتقاضون رواتب متدنية ونراهم في مجتمعنا من ذوي الأملاك.

وباختصار.. فهذه البيانات وإن كانت وقائية، إلا أن الوقاية خير من العلاج. وهي بالتأكيد سوف تخدم مساعي الهيئة العامة لمكافحة الفساد وتجعل كل مسؤول يحاسب نفسه مرات كثيرة قبل أن يخفي وضعه المالي في الشركات والمؤسسات التي يستغل المنصف الرسمي لتسيير أمورها! ولتعمل على التخفيف من الممارسات المشبوهة.