الآثار السلبية لمجانية التقاضي!

16/01/2012 3
سعود الأحمد

الواقع الحالي بالكثير من الدول النامية النفطية، أن الحكومات تجعل من مجانية التقاضي هدفا لتخفيف الأعباء المادية على العامة، سواء طلاب الحقوق أو المدعى عليهم والمكلفون بالأداء. لكن هذا التسهيل له آثار سلبية كثيرة، ويُستغل من قبل الانتهازيين وضعاف النفوس أسوأ استغلال! ويتسبب في تضخم حجم العمل في المحاكم (الشرعية والمتخصصة)، ويضر بوجه خاص بالبيئة الاقتصادية المحلية ويشوه سمعتها في الخارج.. كما يسبب لرجال الأعمال وأفراد المجتمع خسائر مادية ومعنوية، لا حصر لها! ففي كل مجتمع، هناك عينات من البشر تستهويهم مراجعة المحاكم وأقسام الشرطة ومكاتب التحقيق والادعاء العام ومكاتب الحقوق المدنية (دعوجية). هؤلاء يعيشون على المطالبات دون كلل أو ملل. ويشغلون الجهات الرسمية وأفراد المجتمع بمراجعاتهم ومطالباتهم التي معظمها دون وجه حق، يشتكي هذا ويطلب إحضار هذا، ويقدم عريضة دعوى على هذا، واضعا في اعتباره أنه إن لم يثبت له حق، فإنه لن يخسر شيئا! وتجد الناس يخافونه ويتقون شره، ليس لأنه صاحب حق، ولكن (ربما) لأنهم يخشون خسائر الوقت والجهد والمال في مراجعة المحاكم، ويتحاشون كل ما يشوه سمعتهم من أي تهم، حتى ولو كانت باطلة. وبالمقابل هو يجدها فرصة وسلاحا يهدد به المجتمع.. والسبب الحقيقي وراء كل ذلك «مجانية التقاضي!».

فلو كان لكل قضية مبلغ مالي يُدفع مقدما، بحيث إذا لم يثبت للمدعي أي حق، يضيع عليه هذا المبلغ، وإذا ثبت الحق تكون بمثابة عقوبة على المتأخر في أداء الحق، لأن القاعدة الشرعية تقول «مطل الغني ظلم»، أو كان هناك نظام يلزم أي مدعٍ لا يثبت له حق أن يدفع تكاليف المحاماة، أو كان هناك جهات تقدر قيمة التعطيل الذي يصيب المدعى عليه والأضرار المادية والمعنوية التي تقع على المدعى عليه، في حال عدم ثبوت الحق. (أقول) لو كان هناك من يقدر مثل هذه الأضرار لما تجرأ كل من هب ودب على التقدم برفع أي قضية، ما لم يكن له حق ثابت فيها، ثم أن غياب مثل هذا التنظيم ينعكس سلبا على سمعة القضاء وضمانته للحقوق والحريات. فإذا كان من حق أي شخص أن يتقدم بعريضة ضد من يشاء، ويستدعيه عن طريق المحضرين بالمحكمة أو بأقسام الشرطة، وله أن يحضره للمحاكم، وإذا ثبت أنه ليس له حق، فكل ما هنالك حكم بـ«رد الدعوى»، ودون رد اعتبار للمدعى عليه أو تعويض عن تعطيله.

وعليه، وحتى لا تتفشى مثل هذه الممارسات (إذا لم تكن قد تفشت)، فإنني أهيب بالمجالس التشريعية والنيابية والشورى أن تدرس تنظيما ينص على أن يعاقب كل من يرفع دعوى أمام الجهات القضائية دون وجه حق، وحتى تبنى للبيئة الاقتصادية سمعتها التي تليق بها، ليعرف القاصي والداني أن حقوق الفرد والمؤسسات مكفولة، وأن العقوبات المالية والمعنوية تقع على كل متلاعب ومماطل.