السياسات المالية و النقدية ... وأيهما اولى بالاتباع ..؟!!

06/12/2011 5
د . جمال شحات

لعل هذا الموضوع من أهم الموضوعات التى ينبغى دراستها وفهم مدلولاتها وتأثيراتها واهدافها على مستوى الدول وخاصة فى دولنا العربية والخليجية ولعل الكثيرين ممن لم يدرسوا الاقتصاد والسياسات الاقتصادية، يشعرون بالتخبط ولا يفهمون لماذا تتبع الدول تلك السياسة او تلك نظرا لعدم ادراكهم لمدلولات واهداف هذه السياسات النقدية والمالية ..!!

وفى البداية احب ان القى الضوء على تعريف السياسات النقدية والمالية. وهل هناك اختلاف بينهما ..؟ ام هما تسميات لنفس الامر ..؟ وهل تأثيرهما على الظروف والاحوال الاقتصادية للدولة واحد ام مختلف ..؟!!

ولعل من نافلة القول ان استخدام الدولة للسياسات المالية و النقدية يهدف الى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، و الذي يعني تحقيق معدل مرتفع من النمو الاقتصادي في ظل استقرار الأسعار و التوظيف الكامل لعناصر الإنتاج ..!!

ومما هو جديربالذكر أن تحقيق استقرار الأسعار لا يعني ثبات المستوى العام للأسعار، وإنما يعني ارتفاعه بمعدلات مقبولة ( ولعل نسبة معدل النمو ما بين 4% الى 7% نسبة جيدة ولكن نجدها ترتفع الى 10% لبعض الدول مثل تركيا والصين مؤخرا كما ان هناك حالات قليلة جدا نجدها تتخطى 17 % مثل قطر..!! )

و تتمثل أدوات السياسة المالية في كل من الإنفاق الحكومي أو الضرائب. حيث يتم تطبيق السياسة المالية لتحقيق عدة أهداف مثل

استقرار الأسعار، التوظف الكامل، إعادة توزيع الدخل، و رفع معدل النمو الاقتصادي للدولة .

وتمثل السياسة المالية الملائمة لعلاج التضخم الناتج عن زيادة الطلب بزيادة الضرائب أو تخفيض الإنفاق الحكومي أو كلاهما ..!!

وقد تؤدي زيادة الضرائب إلى تخفيض القوة الشرائية للأفراد مما يؤدي إلى تخفيض الإنفاق الاستهلاكي، الذي يعد أحد مكونات الإنفاق الكلي، بالتالي تخفيض الإنفاق الاستهلاكي يؤدي إلى تخفيض الإنفاق الكلي مما يعمل على التخلص من التضخم فى كثير من الحالات ولو بدرجات متفاوتة

كما يؤدي تخفيض الإنفاق الحكومي إلى انخفاض الإنفاق الكلي مما يؤدي إلى تقليص الفجوة التضخمية.

تتمثل السياسة المالية الملائمة لعلاج الانكماش ( الطلب الكلي أقل من العرض الكلي) بتخفيض الضرائب أو زيادة الإنفاق الحكومي ( وهذه الحالة تتبعها معظم دول الخليج وخاصة السعودية فى السنوات الاخيرة بتعظيم الانفاق الحكومى ) أو اتباع كلا الامرين بدرجات متفاوتة .

ويعد تأثير الإنفاق الحكومي على الدخل أكبر من تأثير الضرائب على الدخل وهذا سبب التركيز عليه من قبل الدول الخليجية فى الآونة الاخيرة ..!!

كما يؤدي تخفيض الضرائب إلى زيادة القوة الشرائية للأفراد مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق الكلي مما يعمل على التخلص من الانكماش.

تؤدي زيادةالإنفاق الحكومي إلى زيادة الإنفاق الكلي مما يؤدي إلى تقليص الفجوة الانكماشية.

اما السياسة النقدية فهى تؤثر على الناتج و الدخل باستخدام عرض النقود. و يتم التأثير على عرض النقود باستخدام سياسة السوق المفتوح

والتى تتمثل ببيع أو شراء السندات بغرض تخفيض أو زيادة عرض النقود.

فإذا هدفت الدولة إلى زيادة كمية النقود تقوم بشراء السندات من الأفراد مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السندات كما أن شراء السندات من الأفراد سيؤدي إلى زيادة الودائع البنكية و بالتالي يزيد حجم الإقراض لرجال الأعمال عند سعر فائدة منخفض و ذلك بسبب زيادة حجم السيولة لدى البنوك التجارية.

أما إذا هدفت الدولة إلى تخفيض كمية النقود تقوم ببيع السندات إلى الأفراد مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السندات كما أن بيع السندات إلى الأفراد سيؤدي إلى انخفاض الودائع البنكية و بالتالي يرتفع سعر الفائدة و يقل حجم الإقراض.

و كثيراً ما يتم استخدام هذه السياسة في الدول المتقدمة مثل امريكا نظراً لتطور الأسواق المالية بدرجة كبيرة و الذي يعد شرط ضروري ً لتطبيق سياسة السوق المفتوح ( حجم التداول اليومى فى بورصة وول ستريت حوالى 25 مليار دولار ..!! )

ومن ضمن اهم السياسات النقدية (سياسة نسبة الاحتياطي القانوني ) حيث تعد هذه السياسة واسعة الانتشار في الدول النامية نظراً لغياب او لضعف الأسواق المالية المتطورة .!!

فإذا هدفت الدولة إلى زيادة عرض النقود تقوم بتخفيض نسبة الاحتياطي القانوني مما يؤدي إلى زيادة إمكانات البنوك التجارية في تقديم القروض. أما إذا هدفت الدولة إلى تخفيض عرض النقود تقوم بزيادة نسبة الاحتياطي القانوني مما يؤدي إلى تقييد إمكانات البنوك التجارية فى تقديم القروض.

و لعلاج الركود الاقتصادي تقوم الدولة بتطبيق سياسة نقدية توسعية بحيث تزيد عرض النقود الذي سيؤدي إلى انخفاض سعر الفائدة مما يؤدي إلى زيادة الاستثمار و بالتالي يزيد الطلب الكلي.

اما لعلاج التضخم فتقوم الدولة بتطبيق سياسة نقدية انكماشية، بحيث تؤدى الى خفض عرض النقود و الذي يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة مما يستتبع إ انخفاض الاستثمار و بالتالي ينخفض الطلب الكلي.

وجدير بالذكر ان معظم الدول تستخدم كلا السياستين في نفس الوقت لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق الاهداف الاقتصادية المطلوبة وان كان تأثير السياسات المالية يكون على المدى الطويل بينما السياسات النقدية يكون تأثيرها اسرع نتيجة وعلى المدى القصير بصورة اكبر .

ويتوقف اتباع السياسات المالية التوسعية او الانكماشية طبقا لحالة الاقتصاد وهل الدولة تعانى حالة ركود ام حالة تضخم ..؟!!

فإذا كان الاقتصاد يعاني من حالة ركود فيتم إتباع سياسات مالية توسعية بحيث تقوم الدولة بزيادة الإنفاق الحكومي أو تخفيض الضرائب مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق الكلي كما يتم في نفس الوقت تطبيق سياسة نقدية توسعية و التي تؤدي إلى انخفاض سعر الفائدة مما يؤدي إلى زيادة الاستثمار و ارتفاع الطلب الكلي ..!!

أما إذا كان الاقتصاد يعاني من حالة تضخم فيتم إتباع سياسة مالية انكماشية بحيث تقوم الدولة بتخفيض الإنفاق الحكومي أو زيادة الضرائب مما يؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي كما يتم في نفس الوقت تطبيق سياسة نقدية انكماشية و التي تؤدي إلى زيادة سعر الفائدة مما يؤدي إلى انخفاض الاستثمار و انخفاض الطلب الكلي..!!

وخلاصة القول اننا نرى فى بعض الاحيان – خاصة لمن ليس لديه خلفية اقتصادية - اتباع الدول لسياسات مالية او نقدية ولا نفهم الاسباب التى دعتها لاتباع هذه السياسات فكان لزاما ان نوضح هذه السياسات ومفهومها وتأثيراتها والفرق بينهما مع دعواتى ان يجنب الله عز وجل امتنا وشعوبنا، الازمات الاقتصادية ومن قبلها يجنبها أتباع السياسات الخطأ. ..!!