الرقص مع الذئاب

06/12/2011 22
د. فواز العلمي

"الهلال الشيعي" مصطلح سياسي استخدمه ملك الأردن عبدالله الثاني في حديثه مع صحيفة "واشنطن بوست" أثناء زيارته للولايات المتحدة في أوائل شهر ديسمبر من عام 2004، حيث عبَّرَ فيه عن تخوفه من وصول حكومة عراقية إلى السُلطة موالية لإيران، تتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي يمتد إلى لبنان ويخِّل بالتوازن القائم في المنطقة.

تخَوف ملك الأردن جاء في وقته، فالرقص مع الذئاب بدأ بتدخل إيران السافر في الكويت والبحرين والسعودية. ومثلما قضى حزب البعث العربي الاشتراكي على العراق وانصاع للمد الشيعي الإيراني، تنساق سورية وراء حليفتها إيران في تعنت ذئاب البعث والطائفية والعرقية والمذهبية، وتتجه نحو المصير الإيراني لتنتهي بأقسى العقوبات الاقتصادية.

في الأسبوع الماضي، بمعارضة عراقية لبنانية، أصدر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ بالقاهرة، القرار رقم 7442 القاضي بفرض عقوبات اقتصادية صارمة ضد سورية. من أهم هذه العقوبات منع سفر كبار المسؤولين السوريين وتجميد أرصدتهم، ووقف التعامل مع البنك المركزي السوري وتجميد التبادلات التجارية الحكومية، باستثناء السلع الاستراتيجية التي تؤثر على الشعب السوري. كما شملت العقوبات تجميد أرصدة الحكومة السورية والطلب من البنوك المركزية العربية مراقبة الحوالات المصرفية والاعتمادات التجارية، باستثناء الحوالات المصرفية المرسلة من العمالة السورية في الخارج إلى أسرهم، وتجميد تمويل المشاريع على الأراضي السورية، ووقف رحلات الطيران من وإلى سورية.

بعد بضع ساعات من صدور هذا القرار، سارعت إيران لضخ 8 مليارات دولار في الجيب السوري لتفادي ترنحه أمام هذه العقوبات. إلا أن الاقتصاد السوري هوى فجأة، حيث هبط سوق الأسهم بنسبة 40% وارتفع متوسط أسعار المواد الغذائية 30%، فزاد سعر الدقيق 50%، وأسعار الخضراوات والفاكهة والسكريات بأكثر من 20%، وأسعار السيارات بنحو 10%.

هذه العقوبات تزامنت مع قرار الحكومة السورية الخاطئ والمتسّرع القاضي بحظر الاستيراد مما زاد من حدة تفاقم الاقتصاد السوري وألحق الضرر البالغ بأنشطته الصناعية والتجارية.

ولمزيد من الضغط على نظام الشبيحة القمعي، أقرت دول الاتحاد الأوروبي حظراً على استيراد النفط السوري، التي كانت تستورد 95% من صادراته، تمثل نحو 35% من الدخل القومي السوري، مما أدى إلى حرمان خزينة الدولة من حوالي 3 مليارات دولار سنويا من الإيرادات، وتسبب في عجز الدولة عن دفع رواتب موظفيها.

في القانون الدولي، هنالك 7 أنواع من العقوبات المفروضة على الدول التي ترقص مع الذئاب، أهمها العقوبات الاستراتيجية التي تحظر بيع منتجات قادرة على تقوية الطاقة العسكرية لذئب محتمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وهنالك العقوبات الاقتصادية، مثل الحظر البري والبحري والجوي الهادفة إلى إضعاف طاقة الرقص الكامنة لدى الذئاب وإرغامها على الانصياع للقرارات الدولية.

وهنالك العقوبات التجارية، مثل الحصار البريطاني الفرنسي ضد هولندا في عـام 1832 والحصار البريطاني الألماني ضد فنزويلا في 1902. وهنالك الحصار القانوني لفرض احترام الذئاب لقواعد النظام الدولي وإرغامها على تنفيذ التزاماتها الدولية. وهنالك أيضاً الحصار الإنساني، كالحصار الألماني الإيطالي المشترك ضد زنجبار في عام 1888 للقضاء على تجارة الرقيق فيها.

في بداية القرن العشرين كان الحصار السياسي للسواحل الروسية في عام 1919 يهدف إلى الحد من المد الشيوعي، ولكن نجاحه كان مرهوناً بالحصار الاقتصادي الذي نجح لاحقاً في إسقاط النظام الشيوعي. فالعقوبات الجزئية على الذئاب لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة مباشرة إذا لم تفرض عليها عقوبات أوسع نطاقا تشمل حرمانها من التجارة والمال والاستثمار.

العقوبات الاقتصادية العربية ستؤدي حتماً إلى خسائر فادحة في التعاملات التجارية السورية، التي تمثل 70% من الناتج المحلي الإجمالي. مع بزوغ فجر العام المقبل ستواجه سورية أزمة حقيقية بسبب انكماش اقتصادها بنسبة 3%، وذلك نتيجة لإلغاء 50% من عائداتها السياحية والتجارية، التي تمثل 12% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر 11% من الوظائف.

والعقوبات الاقتصادية التركية ستكون أكثر وطأة على الاقتصاد السوري باعتبار تركيا تمثل الشريك التجاري الأول لسورية، حيث من المتوقع انخفاض حجم التجارة بين البلدين من ملياري دولار في عام 2010م إلى أقل من 400 مليون دولار في العام المقبل.

منذ استيلاء ذئاب الشبيحة على ساحات الرقص الأمني، خسرت سورية علاقاتها الحميمة مع كافة الدول الخليجية، التي كانت أكثر الدول تعاوناً في دعم الاقتصاد السوري. الاستثمارات الخليجية المباشرة حصدت المركز الأول في السوق السوري وفاقت 18 مليار دولار في منتصف العام الجاري. كان بنك سورية والخليج سباقاً في 2008 للاستثمار في الأسواق السورية، وزادت ودائعه خلال فترة وجيزة بنسبة 30% لتفوق 25 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2011، وأدت إلى تحقيق أرباح قياسية بلغت 22 مليون دولار وبنسبة نمو 109% عن نفس الفترة من العام الماضي.

ومنذ بدأت ذئاب الشبيحة بالرقص، خسرت سورية المركز 27 عالمياً في إنتاج النفط والغاز وفقدت 42% من قطاع الخدمات و39% من مجموع القوى العاملة، ليصبح هذا القطاع مثقلاً بالبطالة التي من المتوقع أن ترتفع إلى 60% من مجموع القوى العاملة.

أتمنى من الشعب السوري العظيم أن يبتعد عن الرقص مع الذئاب، وأن يتعظ من دروس العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاد الجوار، وأن يقتنع بأن الهلال الشيعي لن يلبي طموحات أبنائه الأبرار.