كان يا ما كان

22/11/2011 14
د. فواز العلمي

يحكى أنه قبل 66 عاماً (كان) هنالك إقليم في الشرق الأوسط يسمى الوطن العربي. (كان) هذا الوطن يضّم 22 دولة ويقطنها 350 مليون نسمة، فضّلَهم الله على غيرهم من شعوب الأرض بمهد الأديان الثلاثة فأخرج منهم جميع أنبيائه ورسله، وكرّمهم سبحانه وتعالى بخيرات فاقت نسبتها 34% من مجموع ثروات العالم، علماً بأن مساحة هذا الوطن (كانت) لا تزيد على 5% من مساحة المعمورة.

(كان) لدى هذا الوطن جامعةً (عريقةً)، عقدت 36 قمةً وأصدرت 6000 قرار، (كان) أهمها توقيع الاتفاق على ميثاقها (العظيم) الصادر بتاريخ 22 مارس 1945، والهادف إلى توثيق التعاون بين الدول العربية في مجالات الأمن والاقتصاد والتجارة والمال والصحة والزراعة والصناعة والتعليم والثقافة.

خلال 66 عاماً، فقد الوطن العربي أولى قبلتيه "القدس الشريف"، واقتسمت فصائله ما تبقى من أرض أجداده التي (كانت) تسمى دولة "فلسطين"، وتشجع أعداؤه على تقسيم "السودان" الذي (كان) يطلق عليه (سلة الغذاء العربي). كما فقد هذا الوطن قطاعاً سياحياً راقياً (كان) يطلق عليه "لواء اسكندرون"، وتنازل طوعاً عن موقع استراتيجي (كان) يدعى "هضبة الجولان"، وتناسى موقعاً جبلياً مميزاً (كان) يحمل اسم القائد الهمام "طارق بن زياد".

خلال 66 عاماً، ازدادت وطأة البطالة في الوطن العربي بنسبة 33%، ليفوق عددهم 47 مليون نسمة، وتضاعفت وتيرة الفقر 20 مرةً، لتقفز نسبة الفقراء إلى 49% في الصومال و46% في مصر و33% في السودان و29% في العراق و26% في اليمن و18% في سوريا ولبنان و14% في المغرب العربي.

خلال 66 عاماً، انحدر مستوى العلم والفكر والمعرفة في الوطن العربي لأدنى مستوياته، وأصبحت المرأة العربية أسيرة مجتمعها، لتتصاعد نسبة الأمراض والجهل وتعاطي المخدرات وانتشار الجرائم بين الأطفال والشباب، مما أدى إلى تراجع مراتب هذا الوطن في المحافل الدولية بشكل غير مسبوق، وتفشت في أسواقه عمليات الغش التجاري والتدليس والتعدي على حقوق الملكية الفكرية والأدبية والصناعية.

خلال 66 عاماً، أخفق (خبراء) الوطن العربي في تنفيذ أهداف التكامل الاقتصادي المشترك وتطبيق مبادئ الوحدة الاقتصادية العربية بين أقطاره. واكتفى (الخبراء) بتخليد نتائج أعمالهم في 32 وثيقة (تاريخية)، من أهمها منطقة التجارة الحرة العربية (الكبرى)، التي فشلت في الحد من تراجع التجارة البينية بنسبة 13%، وساهمت بانخفاض التجارة الخارجية بمقدار 30%.

خلال 66 عاماً، فات قطار العولمة الاقتصادية 50% من الوطن العربي، مما أدى إلى انعزال نصف دوله وانكفاء معظم مجتمعاته. حتى سوريا ولبنان، اللتان شاركتا بتأسيس اتفاقية "الجات" في عام 1947م، انسحبتا منها في عام 1956 لرفض أحزابهما الاشتراكية الالتزام بمبادئ العولمة الرأسمالية. والعراق الذي (كان) من أوائل المساهمين في إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح لاحقاً يستجدي دول العالم لإلغاء ديونه وإعادة إعماره.

خلال 66 عاماً، أنشأ الوطن العربي 11 مجلساً (موقراً) مقارنة بحوالي 84 مجلسا في الاتحاد الأوروبي و56 في الوحدة الآسيوية و26 في اتحاد دول جنوب أمريكا و18 في دول الوحدة الأفريقية. وبينما فشلت المجالس (الموقرة) في الحد من تراجع قدرات الوطن العربي الثقافية والفنية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية، نجحت مجالس الاتحادات الأخرى بتنويع موارد دولها الأعضاء وتعظيم فوائدها وتحقيق أهدافها.

خلال 66 عاماً، فشل (علماء) المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة في الحد من رقعة التصحر والاستنزاف الجائر للموارد المائية، فانحسرت الأراضي الزراعية في الوطن العربي بنسبة 53%، وأصبح النيل (العظيم) مهدداً بتصفية حسابات دول المنبع، و(عروق) الرافدين موطناً للملاّحات، و(فروع) اليرموك مرتعاً خصباً للتقسيم وتأجيج الصراعات.

خلال 66 عاماً، انتقل الوطن العربي من منتج للمحاصيل الزراعية إلى مستورد صاف لها، فارتفعت قيمة وارداته الزراعية إلى 53 مليار دولار سنوياً وتفاقمت عمق فجوته الغذائية بنسبة 50% في القمح، و45% في الذرة، و86% في الشعير، و35% في الأرز، و34% في اللحوم والألبان.

خلال 66 عاماً، أضرم الوطن العربي 34 ثورة جارفة، (كان) آخرها في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. في "ثورة الياسمين"، فقدت تونس مليون وظيفة وأضافت 4 مليارات دولار إلى ديونها المتراكمة، واقترضت 10 مليارات دولار أخرى، استغرق تسديدها مدة 40 عاماً.

وفي ثورة "التحرير"، فقد السوق المالي المصري 11 مليار دولار من قيمته الأصلية، وفاقت خسائر السياحة 9 مليارات دولار وأقفلت 32% من الفنادق أبوابها وألغيت 1,632,000 وظيفة في القطاع الخاص.

وفي ثورة "الصمود"، فتك زعيم الشعوذة والهلوسة بحوالي 50,000 من مواطنيه وأغلق 72% من مصانعه وأعطب 90% من منابع نفطه، لتفوق الخسائر الاقتصادية المباشرة لجماهريته 36 مليار دولار وليفقد اقتصاده الليبي 3 مليارات أخرى في كل أسبوع من أسابيع تشبث الزعيم بزعامته.

وفي ثورة "التنحي"، فقدت الميزانية اليمنية 32% من أصولها الثابتة وتراجعت قدراتها الذاتية على الإنفاق إلى أدنى مستوياتها لتتضاعف ديونها السيادية 250%، وتتراجع تجارتها الخارجية بنسبة 54% ولتفقد 62% من تدفق الاستثمارات إلى أراضيها.

وفي ثورة "أم المجازر"، تصدر زعيم "الممانعة" و"الصمود" وقطعانه من "الشبيحة" جبهات الرفض، ليفقد 12% من ناتج بلاده الإجمالي و55% من تجارته الخارجية و60% من وارداته، مما أدى لتراجع قية عملته السورية بنسبة 17% وفقدان 75% من دخله السياحي.

وبعد 66 عاماً، (كان) هنالك إقليم مميز بدينه ولغته وأمجاد تاريخه، يدعى الوطن العربي.