مكررات الأرباح معيار جيد لتقييم الأسهم .. ولكن ...

08/05/2011 5
محمد القويز

لعل من أوسع معايير تقييم الأسهم استخداماً معيار مكرر أو مضاعف الأرباح (والذي يتم حسابه بقسمة سعر السهم السوقي على الربح لكل سهم، أو بقسمة الرسملة السوقية لأي شركة على صافي ربحها)، فهو معيار سهل الدلالة (حيث يرمز لعدد السنوات التي ينبغي الاحتفاظ بالسهم خلالها ليمكن استرجاع قيمته من أرباحه المحققة، على افتراض استقرار تلك الأرباح)، كما أنه معيار بسيط الاستخدام (حيث يقول البعض إن أبسط قاعدة استثمارية هي شراء الشركات التي يقل مكرر أرباحها عن 10 أضعاف، ومن ثم بيع تلك الشركات متى ما زاد مكررها على 15 أو 20). حتى أن العديد من خدمات التحليل والمعلومات دأبت على جمع ونشر أرقام مكررات الأرباح للشركات المتداولة كمعيار أساسي لتقييم الشركات. بل إني حتى في مقال الأسبوع الماضي (المعنون "ليست كل الاكتتابات بالقيمة الاسمية جيدة.. ولا كل علاوات الإصدار سيئة") استخدمت مكرر الأرباح كالوسيلة الأساسية لشرح كيفية تقييم الشركة عند الاكتتاب.

وقد كان للعديد من القراء الفطنين على مقالي المذكور عدد من المشاركات حول محاذير تقييم الشركات، خصوصاً باستخدام مكرر الأرباح كالمعيار الأوحد للتقييم، ومن هذا المنطلق وجدت أنه قد يكون من المجدي سرد بعض المآخذ والمحاذير من استخدام مكرر الأرباح كمعيار للتقييم، وهي خمسة محاذير:

أولاً: مكررات الأرباح تفترض ضمناً أن أرباح السنة الماضية التي بُنيت عليها حسبة مكرر الربح ستستمر للسنوات اللاحقة إلى ما شاء الله، ولكن هذا ليس صحيحا دائماً، فإذا آمنا بأن الدورة الحياتية لكل شركة أو قطاع تمر بمراحل الولادة ثم النمو ثم الاستقرار ثم الاضمحلال، فإن الشركة أو القطاع في طور الاضمحلال قد يظهر جذاباً بمعيار مكررات الربحية، ولكن ذلك غير حقيقي بالضرورة نظراً لتوقع الانخفاض في الأرباح المستقبلية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الشركات المصنعة لعربات الخيل في مطلع القرن العشرين، أو الشركات المصنعة للفاكس والكاميرات ذات الفيلم في أواخر القرن العشرين.

ثانياً: وبالمقابل فإن مكررات الأرباح لا تعكس التباين في المعدلات المتوقعة لنمو الأرباح من شركة إلى أخرى. فلو افترضنا شركتين لهما نفس مكرر الأرباح، ولكن إحداهما تتوقع أن تنمو أرباحها بمعدل 10 في المائة سنوياً بينما الأخرى تتوقع أن تنمو أرباحها بمعدل 30 في المائة سنوياً، فمن الطبيعي أن الشركة الأخيرة ستكون أكثر جاذبية، وبالتالي سيزيد الطلب على أسهمها مما سيؤدي لارتفاع سعره لنحو يرتفع معه مكرر الأرباح، حتي تبلغ الشركة الثانية نفس درجة الجاذبية لدى الشركة الأولى ولو كان مكرر أرباحها أعلى.

ثالثاً: المكررات تحسب عادة بقسمة الرسملة السوقية للشركة على صافي ربحها في السنة، ولكن إذا كان صافي الربح يحوي شقاً كبيراً من الأرباح غير التشغيلية أو غير المتكررة فإن ذلك قد يجعل مكرر الأرباح أفضل (أي أقل) من الواقع، إذ إن المكرر يفترض أن الأرباح الداخلة فيه قابلة للتكرار في سنوات لاحقة، لكن الأرباح غير التشغيلية (كما في حالة بيع أرض، أو الأرباح الاستثمارية، أو بيع شركة شقيقة) لا تكون في العادة قابلة للتكرار سنة بعد سنة، مما يجعلها تعطي صورة أفضل من الواقع عند النظر لمكررات الأرباح.

رابعاً: مكررات الأرباح لا تأخذ بالاعتبار الاختلاف في الكثافة الرأسمالية من شركة إلى أخرى. فلو افترضنا شركتين لهما نفس مكرر الأرباح، ولكن إحداهما تتطلب استثمار 10 ريالات إضافية لتحقيق 1 ريال إضافي من الربح (على شكل مصنع جديد، أو معدات إضافية، أو حسابات مدينة لعملائها أو غيرها)، بينما الشركة الأخرى لا تتطلب إلا استثمار 1 ريال إضافي لتحقيق 1 ريال إضافي من الربح (وذلك لأن هذه الشركة ذات كثافة رأسمالية ضئيلة كشركات البرمجيات أو شركات التجزئة)، ففي هذه الحالة من الطبيعي أن الشركة الأخيرة ستكون أكثر جاذبية من الأولى نظراً لسهولة التوسع وزيادة الأرباح وارتباطه بقدر أقل من الاستثمار والمخاطرة بالمقارنة مع الشركة الأولى، الأمر الذي لا ينعكس ولا يظهر بالنظر لمكرر الأرباح.

خامساً: وكما أشرنا إليه في آخر النقطة السابقة، فإن مكرر الأرباح لا يأخذ بالحسبان الاختلاف في قدر المخاطرة بين شركة وأخرى. فلو أخذنا شركتين إحداهما في مجال أكثر مخاطرة وتذبذباً (كالمقاولات أو الطيران)، والأخرى في مجال أقل مخاطرة وتذبذباً (كالمواد الغذائية أو الخدمات الطبية)، فمن غير المتوقع أن يكون مكرر الربح مساويا لكل منهما، وذلك لأن مقدار الثقة باستقرار واستمرارية أرباح الشركة الأقل مخاطرة أكبر منه للشركة الأكثر مخاطرة، مما يبرر أن تحمل الشركة ذات المخاطرة الأقل مكرر أرباح أعلى.

نظراً للمحاذير أعلاه فقد يكون من الأنسب استخدام مكررات الأرباح لمقارنة الشركات ضمن نشاط وقطاع واحد، لأن النظرة لقطاع واحد تخفف من هذه المحاذير (نظراً لتقارب الدورة الحياتية ومعدلات النمو والكثافة الرأسمالية والمخاطرة ضمن القطاع الواحد)، ولكن حتى مع توحيد القطاع تظل هناك بعض الاختلافات بين شركة وأخرى ضمن القطاع الواحد لا يعكسها مكرر الأرباح (كالشركة الصغيرة النامية والشركة الكبيرة والمستقرة ضمن القطاع ذاته).

إذاً هل تعني المحاذير بعاليه أن مكررات الأرباح هي غير ذات منفعة لتقييم الشركات؟ بالطبع لا! ولكن هذه المحاذير تعني أن مكررات الأرباح قد تكون ممتازة كنقطة بداية في تحليل وانتقاء الشركات، ولكنها لا ينبغي أن تكون هي المعيار الأوحد لاتخاذ قرار الاستثمار.