أول الغيث قطر

04/05/2011 15
د.محمد إبراهيم السقا

في تطور هام جدا وفي أول أنباء من نوعها كشفت الحكومة السويسرية بصورة رسمية أمس عن ربط 410 مليون فرنك سويسري (474 مليون دولارا أمريكيا) بالسجين المخلوع مبارك، وذلك في إطار تقاريرها عن الثروات التي قامت بتجميدها والتي تعود للمخلوعين مبارك وبن علي، ولقتيل المستقبل معمر القذافي (http://www.forbes.com/feeds/ap/2011/05/02/business-eu-switzerland-gadhafi-assets_8445852.html)، وكانت الحكومة السويسرية قد أمرت البنوك والمؤسسات المالية بتجميد الأصول التي ربما تعود إلى ثلاثي الشر ومؤيديهم، وذلك لمنع عمليات سحب هذه الأموال بصورة سرية، وأن الحكومتين المصرية والتونسية قد بدأتا بالفعل الإجراءات القانونية لاسترداد هذه الأصول، غير أن الحكومتين لم تقدما حتى الآن المعلومات حول الأعمال الإجرامية الممكنة واللازمة لعملية الإفراج عن هذه الأرصدة التي تعود للمخلوعين. كما قامت الحكومة السويسرية قد أرسلت برقيات إلى كل من تونس ومصر توضح فيها أن على الحكومتين تقديم دلائل على أي أعمال إجرامية المرتبطة بهذه الأموال لكي تتمكن الحكومة السويسرية من تقرير مصير هذه الأصول. أي دلائل قانونية، لتجريم شخص مرتبه الرسمي 4750 جنيها أي حوالي 800 دولار شهريا، يحتفظ بكاش سائل في سويسرا وحدها بحوالي 474 مليون دولارا، ربما كان يمارس عملا إضافيا (أوفر تايم) في أوقات فراغه.

قلبي مع الحكومة المصرية فيما تسعى إليه من جهود لاستعادة الأموال التي نهبتها أسرة السجين المخلوع، لأنني أعلم بحكم دراستي العميقة لعمليات غسيل الأموال على المستوى الدولي أنها مهمة شبه مستحيلة، وأنه ما لم تتعاون حكومات الدول الأخرى في الكشف عن العمليات المشبوهة المرتبطة بالتحويلات القذرة والصفقات المشبوهة التي قامت بها الأسرة المباركيه، لا أبقى الله لها أثرا، فإن الجهود الرسمية سوف تذهب هباء، لأن مثل هذه العمليات لا تتم بالطبع تحت أسماء هؤلاء، وإنما من خلال عملائهم الخونة من مصر ومن الخارج. كما أنني أعلم طبيعة العمليات المالية القذرة التي يمكن ان تتم من خلال مراكز الأوفشور، حيث لا يسألك أحد عن مالك من أين حصلت عليه، ولا كيف دبرته، ولا حتى كيف نقلته الى هناك، بل ان الطائرات تهبط في هذه المراكز بصناديق الدولارات التي تنقل من المطار إلى البنوك مباشرة، حيث لا يوجد أي قانون أو قواعد للرقابة على مثل هذه العمليات القذرة، وحيث تجد العصابات الدولية والمافيا والفاسدين حول العالم تلك المراكز مرتعا لإخفاء كل شيء وأي شيء تملكه.

نصيحتي للحكومة المصرية بألا تعتمد على كوادرها الوطنية في ملاحقة الثروة المهربة لأسرة السجين المخلوع، فلن تحقق تطورا يذكر، لا بد للحكومة المصرية من أن تستعين بخدمات أكبر الشركات العالمية المتخصصة في عمليات تتبع الأموال المهربة، واستعادة الأصول في العالم، للكشف عن الأصول الحقيقية التي تمتلكها الأسرة، فحجم الثروة يستدعي بالفعل ضرورة الاستعانة بأرفع الخدمات الفنية المتخصصة في هذا المجال عالميا.

بعد أن نظف المخلوع جميع دفاتره، وتأكد أن كل شيء تمام، خرج على الشعب يخاطبه من خلال قناة العربية بأنه لا يملك أي شيء لا في الداخل ولا في الخارج، بل وأنه سوف يلاحق قضائيا كل من ادعى عليه ذلك، ولكنه يبدو لم ينظف دفاتره في سويسرا لأن الحكومة السويسرية كانت اسبق في أخذ الحيطة والحذر منذ اليوم الذي خلع فيه بن علي، ونحن بدورنا نقدم له أول من ادعى بامتلاكه اصول نقدية خارج مصر، إنها وزيرة خارجية سويسر، فهل يملك المخلوع الجرأة الكافية لرفع دعوة قضائية عليها. إذا كان المخلوع قد نظف دفاتره في الدنيا، فللأسف الشديد هناك نسخة أخرى من تلك الدفاتر لا يستطيع أحد أن يمسها أو يقترب منها، إنها عند الله سبحانه وتعالى تنتظر المخلوع ليتلقاها بشماله، يوم لا ينفع مال ولا بنون، اللهم احفظنا.

الشعب المصري كله يتطلع إلى اليوم الذي يرى فيه العدالة تتحقق على من نهبوا أموال مصر، فطوال فترة حكم السجين المخلوع، كان الفساد بمثابة وباء منتشر في مصر، وما زال، في بلد يعيش فيه أكثر من 40% من السكان بدولارين فقط في اليوم الواحد، فكيف لهم أن يعيشوا كذلك. في الوقت الذي كانت فيه الصفقات المشبوهة تتم على الملأ. منذ أيام كشفت الصحيفة الإسرائيلية يديعوت أحرونوت (أصدقاء الأمس) النقاب عن أن مصدر ثروة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك هو صفقة تصدير الغاز لإسرائيل بجانب صفقات الأسلحة المختلفة، ويبدو أن الصحيفة نسيت أن تشير إلى عمليات الخصخصة المشبوهة، وعمليات تخصيص الأرض بأسعار زهيدة توحي بأن باقي الثمن يدفع بشكل ما لطرف آخر غير الدولة، على سبيل المثال تقدر خسائر الدولة في الأرض المخصصة لمجموعة طلعت مصطفى في إطار مشروع مدينتي بحوالي 25 مليار دولارا. لقد كانت أبواب الفساد مفتوحة على مصراعيها لفعل كل شيء وأي شيء، ونسي الجميع أن لهذا الكون إله وأنه قد يمهل المجرم بعض الوقت، لكنه لا يهمله، وأن العدالة الإلهية تسري على الجميع ان لم يكن في الدنيا ففي الآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون، كفانا الله شر ذلك اليوم، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

اليوم عيد ميلاد السجين المخلوع الثالث والثمانين. ومن كل قلوبنا ندعو الله سبحانه وتعالى له بعمر مديد يقضيه في السجن حتى يتذوق جزءا من عذاب من ظلمهم وألقى بهم في غياهب السجون بدون ذنب اقترفوه سوى أنهم كانوا لا يريدونه، اليوم المخلوع في السجن لأن كل الشعب كله لا يريده (بالطبع باستثناء شلة البلطجية الذين لم يعد لهم معيل اليوم سوى الخروج الى الشارع طلبا للرزق ليترحموا على أيامه، وبالطبع شلة الحرامية الكبار)، لم يحدث من قبل أن أحاط رئيس في مصر نفسه بهذه الكوكبة من سيئي السمعة، ولا عجب أن نراهم جميعا اليوم في مزرعة طره.

تقول النكتة المصرية أن رجلا ذهب لمبارك يقول له "لقد بعت كل ما أملك لكي أعلم أولادي، فقال له مبارك وأنا بعت بلد بأكملها من أجل أولادي".