الاقتصاد الإيراني بين العقوبات الامريكية و الاصرار الايراني

20/10/2010 4
محمد أنور اللواتي

ان الحديث عن الاقتصاد الايراني يلازمه حديثا طويلا في السياسة الدولية. و رغم تناغم عاملي السياسة و الاقتصاد بشكل عام، إلا إن تجليات هذا التناغم هو اوضح في الحالة الايرانية، و ذلك لتعقيدات الوضع السياسي الايراني، و تأثيرات هذه التعقيدات على الاقتصاد الايراني بشكل مباشر.

صوت مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح قرار فرض حزمة واسعة و جديدة من العقوبات الاحادية الجانب على ايران في نهاية يونيو الماضي، و ذلك بعد فترة بسيطة من اقرار مجلس الأمن القرار رقم 1929 و القاضي بفرض جولة ثالثة من العقوبات على ايران لتكثيف الضغوط الاقتصادية عليها. و  تستهدف العقوبات الجديدة تضييق الخناق على ايران من خلال وقف واردات ايران من منتجات النفط المكرر، و الحد من استثماراتها في مجال الطاقة، وتقييد استفادتها من النظام المصرفي العالمي. و تلى ذلك عقوبات اخرى من كندا و دول الإتحاد الأوربي و استراليا و جنوب كوريا و اليابان تحت طائلة الضغوط الامريكية. بينما نددت روسيا و الصين على العقوبات الأحادية الجانب على ايران.

تجدر الإشارة بأن الكثير من الدول و الشركات رضخت للعقوبات المفروضة. فقد وافتنا التقارير الصحفية بمسارعة البنك المركزي الاماراتي تجميد 41 رصيدا مصرفيا، مما حدا برئيس غرفة التجارة الايرانية – الاماراتية الإعلان بأن ايران ستخفض علاقاتها التجارية مع الامارات.  كما رضخت شركات مثل "توتال" الفرنسية و "شل" الهولندية و "بي بي" البريطانية للعقوبات بوقفها بيع البنزين و المنتجات النفطية المكررة إلى ايران. و اعلنت شركة "لويدز اوف لندن" بأن الشركة لن تؤمن أو تعيد التأمين على منتجات نفطية مكررة متجهة لايران، معللة بأهمية السوق الأمريكي بالنسبة لها. كما اعلنت "كيا موتورز" بأنها قد علقت صادراتها إلى ايران.

هذا و قد اقر علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الايراني، فور صدور العقوبات الامريكية بتأثيرها، و لكنه في الوقت ذاته اكد ان تأثيرها منخفض. إلا ان المتتبع للوضع الاقتصادي الايراني، لا يجد عناء في اكتشاف الضرر البالغ الذي احدثته هذه العقوبات والتي كلفت ايران ثمنا باهضا بعد اقل من نصف عام من اقرارها، واثرت على اقتصادها تأثيرا سلبيا مباشرا. وتشير أحدث التقارير الصحفية الى ارتفاع في نسبة البطالة، و قلة في المعروض من الواردات ، و زيادة في نسبة التضخم، و ارتفاع في تكاليف الانتاج، و زيادة في كلفة الاستيراد نتيجة لصعوبة التحويلات البنكية، مما قد يؤثر سلبًا على الصناعات المحلية الايرانية، و قد يفاقم نسبة البطالة حيث ستعمد المصانع لفصل موظفيها حتى تستطيع البقاء و الاستمرار.

كما إن فقدان الثقة في العملة الايرانية و صعوبة التحويلات البنكية سبب زيادة في نسبة تذبذب سعر الصرف بطريقة لم تشهدها العملة الايرانية منذ سنوات.  و قد فقدت العملة الايرانية اكثر من 14% من قيمتها في غضون 5 ايام فقط منخفضة من 1065 ريال للدولار إلى 1220 ريال للدولار. جاء هذا السقوط الحر في سعر العملة الايرانية بعد احجام البنوك و تجار العملة من بيع الدولار، مما تطلب دعما حكوميًا بضخ البنك المركزي الايراني كميات كبيرة من الدولار للأسواق مثبتًا سعر صرف الدولار قريبا من 10,700 ريال.

العقوبات الدولية و الأمريكية كانت دوما موجودة، و لكن التفاف الايرانيين حول العقوبات، و براعتهم في التكيف معها، كان كفيلا بايجاد مخارج شرعية، و كان محفزًا لتنمية الصناعات المحلية و تطوير استراتيجية الاكتفاء الذاتي. فتمتلك ايران اليوم تكنلوجيا صناعية كبيرة في جميع الميادين تفوق تلك التي تملكها دول المنطقة، مما يؤهلها لجذب رؤوس اموال اجنبية خصوصا من دول الجوار. فوجود العقوبات الامريكية يولد فرص استثمارية نادرة للمستثمرين خصوصًا في مجالات البنى التحتية. إلا انه لا بد من دراسة أي عملية استثمارية في ايران بدقة لموازنة عاملي المخاطرة و العوائد. و يجب ان تنشط صناديق الاستثمار الكبرى في المنطقة لاستغلال اي فرص استثمارية جاذبة خصوصًا إن الأزمات تولد فرص لا تولدها عادة الأوضاع الطبيعية.

تجدر الإشارة هنا بأن مجلس الوزراء الايراني اعتمد مؤخرا قانون الاستثمار الأجنبي الجديد حيث يسمح الاستثمار المباشر في سوق الأوراق المالية، و يلغي القيود السابقة على نقل رأس المال و الأرباح المحققة إلى خارج ايران، حيث كان القانون القديم يفرض الكثير من القيود من قبيل عدم السماح للمستثمر الأجنبي بنقل رأسماله و الأرباح الرأسمالية خارج ايران قبل السنوات الثلاث الأولى. كما اعتمد القانون الجديد نسبة 20% بدلًا من 10% كأعلى نسبة للتملك الأجنبي في اسهم اي شركة مدرجة. مما دفع سوق طهران للأوراق المالية شمالا للوصول عند اعلى معدلات له منذ تأسيسه محققًا عائدًا يعادل 66% منذ بداية العام حتى نهاية الربع الثالث.

و كأمثلة في هذا السياق، تهدف العقوبات الامريكية تطويق قدرة ايران على استيراد البنزين، مما شكل تحديا كبيرا امام الإدارة الايرانية في البدء. و لكن سرعان ما عملت ايران على مواجهة هذا التحدي باتباع استراتيجة التكامل الذاتي، حيث اعلن وزير النفط الايراني مسعود مير كاظمي في منتصف اكتوبر الحالي بأن ايران حققت الاكتفاء الذاتي من البنزين بل بدأت فعليا في التصدير، كما تعتزم بناء ست مصافي نفط جديدة خلال الأعوام الثلاث القادمة، مما قد يؤهلها بأن تكون مصدرة للبنزين بدلا من كونها مستوردة له.

تمتلك الحكومة الإيرانية احتياطات كبيرة من العملة الأجنبية خصوصا اليورو و الدولار و احتياطي كبير من الذهب، مما يؤهلها لضح مبالغ اضافية في السوق كحل مؤقت لاي تخوف يحدث بين الفينة و الاخرى. و هنا لا بد الإشارة إلى ان ايران تعتبر واحدة من دول Next 11 (N11) و هي الدول التي صنفها بنك جولدمان ساكس الاستثماري بأنها تمتلك المؤهلات بأن تصبح اكبر الاقتصاديات العالمية في القرن الحادي و العشرون مع دول البريك (BRIC) و هي البرازيل و روسيا و الهند و الصين. حيث تمتلك ايران المقومات الأساسية رغم ان الأنظمة الايرانية الاقتصادية تعتبر متأخرة كثيرا عن الكثير من دول الجوار مثل روسيا او تركيا أو دول الخليج العربي، ما يتطلب اعادة النظر في بعض من تلك النظم و التشريعات.

كما تمتلك إيران أيضا كميات كبيرة من النفط و الغاز، و تعتبر ثاني اكبر منتج للنفط في اوبك، و تمتلك احتياطيات نفط تقدر بـ 10% من اجمالي الاحتياطي العالمي. و في عصر الصراع الدولي على الطاقة، لا يمكن اغفال ايران من المعادلة الدولية. فأي ارتفاع في سعر الطاقة أو نقص في مصادرها كفيل بأن تتحرك الشركات العالمية بالضغط على حكوماتها لتخفيف تطبيق تلك العقوبات. كما إن الشركات الأسيوية عرف عنها التفافها حول العقوبات خصوصًا مع إنسحاب الشركات الأوربية في التعامل مع ايران، مما سيولد فرص رائعة لتلك الشركات لنمو ارباحها.

الديمغرافيا الإيرانية هي الأخرى قد تلعب عاملًا مهمًا في كسر الحصار الاقتصادي. حيث يفوق عدد السكان في ايران عن 66 مليون نسمة مما يؤهلها ان تكون سوقًا مهمًا للكثير من الشركات في المنطقة لتصدير بضائعها أو اعادة التصدير إليه. كما لا يمكن إغفال الجغرافيا الايرانية حيث تطل ايران على الخليج العربي و بحر قزوين و المحيط الهندي، بالإضافة لإمتلاكها حدود مع تركيا و العراق و باكستان و تركمستان و ارمينيا و اذربيجان و افغانستان، مما يصعب التحكم في علاقات ايران الاقتصادية.

رغم عدم الاستهانة بمدى قوة هذه العقوبات الأخيرة التي فرضت على ايران، إلا إننا في الوقت ذاته لا نستهين بايران في مجابهة هذه العقوبات، خصوصًا ان ايران بعد الثورة الاسلامية لم تسلم من المقاطعة الدولية. بعد فترة ستوافينا النظم التجارية المعقدة في ايران بمجموعة اخرى من المخارج الشرعية للعقوبات الحالية اضافة إلى الدروس التي تتعلمها ايران عادة بعد كل عقوبات جديدة كنموذج على اصرار الايرانيين التغلب على اثر تلك العقوبات، و سنكون عندها بحاجة إلى عقوبات امريكية جديدة، و قد تفرض، و لكن ستضل دوامة العقوبات و المخارج موجودة.