تضارب مؤشرات الثقة بالاقتصاد!

03/07/2010 1
د. قصي الخنيزي

يرتبط تحرك الأسواق المالية والاستثمار الأجنبي وأداء الوحدات الاقتصادية بالمعلومات أولاً وأخيراً, فالمعلومات المرتبطة بتوقعات أداءالشركات وأرباحها ومبيعاتها وإدارتها تؤثر بشكل مباشر في أداء أسهم الشركات المدرجة في السوق المالية، حيث إن النظريات المالية والتطبيق الفعلي يشيران إلى أن المؤثر الرئيس في تحرك سعر سهم شركة معينة في السوق المالية يخضع في نهاية المطاف إلى تمكن تلك الشركة من تحقيق التوقعات المبنية على المعلومات أو عدم تحقيقها.

النظرة المستقبلية لأداء الشركة ومدى تناسق التوقعات مع الأداء الفعلي هما الفيصل في الحكم على تحركات أسعار الأصول المالية. بمعنى آخر، تؤثر المعلومات المتوافرة تبعاً لفرضية السوق الكفؤة في تحرك أسعار الأصول وتفاعلها مع النتائج الفعلية على صعيد الشركات. أما على مستوى الاقتصاد الكلي، فإن المعلومات والبيانات والتحليلات والتقارير التي يتم إصدارها تؤثر بصورة مباشرة في التحليل الجزئي المرتبط بالشركات والمؤسسات ومدى قدرتها على تحقيق التوقعات من خلال الربط بين معدل وقوة تأثير الاقتصاد الكلي في الوحدات الاقتصادية الجزئية.

فعلى سبيل المثال، تؤثر المعلومات الاقتصادية الكلية المرتبطة بالإنفاق الحكومي المخصص للتعمير والإنشاء في شركات المقاولات الخاصة التي ترتبط أعمالها بالعقود الحكومية المتعلقة بنشاطها عن طريق توقعات النمو والأرباح والمبيعات.

لذا، فالبيانات الاقتصادية الكلية تكتسب أهمية كبرى لارتباطها بالأداء المستقبلي وإيضاح الصورة دون رتوش بشأن التوجه العام للبيئة الاقتصادية. لكن، تتفاوت المعلومات الاقتصادية الكلية والجزئية ويختلف تأثيرها وقراءتها تبعاً لعموميتها وتشعبها, ما يبرز الحاجة إلى اختزال هذه المعلومات الكلية والجزئية في مؤشرات تختزل وتلخص عدة بيانات وأرقام وتوقعات بمقياس كمي يشير إلى التحركات الاقتصادية الكلية والجزئية.

وليس هناك خلاف في أهمية المؤشرات وقدرتها على تلخيص كم كبير من البيانات والأرقام الكلية والجزئية لتظهر للمتابعين برقم أو مؤشر واحد يبين طبيعة تحركات الكم الهائل من الأرقام والبيانات لتسهيل وتبيان التغيرات الاقتصادية والمالية ومدى تأثرها في فترة زمنية معينة مقارنة بعام الأساس الذي يقاس التغير تبعاً له.

وتأتي مؤشرات الثقة بأداء الأعمال أو ثقة المستهلكين من ضمن المؤشرات التي يعتمد عليها مجتمع المستثمرين والأفراد حتى صناع القرار لاتخاذ خطوات استباقية تؤدي إلى سياسة نقدية أو مالية أو اجتماعية تأخذ في الحسبان التغيرات المتوقعة في المشهد الاقتصادي.

فمثلاً، انخفضت أسواق الأسهم عالمياً يوم الثلاثاء الماضي 29/6/2010 مدفوعة بالدرجة الأولى بتراجع مؤشر ثقة المستهلكين الأمريكيين الصادر من مجلس مؤتمر ثقة الأعمال غير الهادف للربح The Conference Board Confidence Index الذي عارض نتائجه مؤشر آخر مستقل تم نشره قبل ذلك ببضعة أيام وهو مؤشر رويترز وجامعة ميتشجان, الذي أوضح ارتفاع ثقة المستهلكين الأمريكيين بأعلى نسبة خلال العام، إلا أن الأسواق اتبعت استراتيجياً نتائج المؤشر الأول، أي مؤشر الثقة الصادر من مؤتمر ثقة الأعمال غير الربحي ولم تؤثر فيها نتائج المؤشر الأول إلا لحظياً أو تكتيكياً حين تم إعلانه في ذلك اليوم.

وفي السياق نفسه تضاربت المؤشرات بنظرة محلية، فقد أصدر البنك السعودي الفرنسي تقرير ثقة الأعمال في المملكة الثلاثاء الماضي 22/6/2010 موضحاً تراجعاً في المؤشر المركب لثقة الأعمال بينما تم الإعلان في اليوم التالي عن ارتفاع مؤشر ثقة الأعمال في السعودية في تقرير لبنك إتش. إس. بي. سي. HSBC مقارنة بدول الخليج, مع العلم أن تقريراً ثالثاً سيصدره البنك الأهلي التجاري متعلقا بثقة الأعمال في الثالث عشر من تموز (يوليو) المقبل ولا نعلم عن نتائجه بعد، فهل سيتفق أم سيختلف مع المؤشرات التي تم إصدارها؟

هذا التضارب في مؤشرات ثقة الأعمال يشير إلى عدم توافر جهات أكثر موثوقية وموضوعية من الجهات الهادفة إلى الربح والمصدرة للتقارير السابقة. كل هذه المؤشرات تؤثر في البيئة الاقتصادية وأداء الأعمال في المملكة ومن المهم تفادي أي شك في عدم موضوعية أي من المؤشرات, حيث إن المنطقي والضروري لمصلحة الاقتصاد الوطني هو توافر وإصدار مؤشرات من جهات محايدة تعتمد على الحسابات الكمية بشكل أكبر من الاعتماد على المؤشرات النوعية التي قد تكون غير موضوعية وغير محسوبة بالأرقام مما يفقدها نوعا من المصداقية.

وختاماً، يبقى الجهد المبذول من قبل بعض البنوك في حساب مؤشرات ثقة الأعمال محل تقدير طالما حافظ على موضوعيته وشفافيته بنشر خصائص العينة العشوائية ومنهجية البحث التي تحدد في نهاية المطاف أسباب أي تباين في مؤشرات ثقة الأعمال التي يتم إصدارها.

بيد أنه مطلوب أولاً وأخيراً وجود مؤشرات لثقة الأعمال والمستهلكين والمنتجين تتبع لجهات محايدة ليس لها أي مصلحة في نتائج المؤشرات والتقارير والأبحاث بشكل يتساير مع التطور المدروس لسياسة الإفصاح والتعامل مع المعلومات والبيانات الاقتصادية الكلية.