الخبر بين الطفرة والأزمة

14/06/2010 1
محمد سليمان يوسف

تمكن "الخبر" ما بين عامي 2004 – 2009 من تحريك أسواق المال الخليجية  على نحو مؤثر، فإن جاء الخبر إيجابيا صعدت الأسواق، وإن جاء سلبيا انخفضت، وفي أوج الطفرة تمكنت وسائل الإعلام الخليجية – المكتوبة والمرئية والمسموعة والإلكترونية – وبشكل غير مباشر وخلال فترات معينة من لعب دور " صانع السوق " مما أدى إلى ارتفاع ثمن " الخبر " إلى أرقام فلكية بل ويمكن القول أن بعض "الهوامير" ومدراء المحافظ كان على استعداد لشراء الخبر الهام – القنبلة - بالملايين فيما لو وجد من يبيعه هذا الخبر.

لاشك أن "للخبر" تأثير رهيب على مشاعر الناس، والإنسان مهما علا مقامه أو صغر يتأثر بما تورده وسائل الإعلام من أخبار  ونسبة كبيرة من البشر تعتبر ما  ينشر عبر الوسيلة الإعلامية  صحيح وصادق 100 % بل و مقدس حتى يثبت العكس، ورؤساء مجالس إدارات الشركات المساهمة العامة والرؤساء التنفيذيين يعرفون تماما السحر العجيب لوسائل الإعلام والتأثير الخارق للخبر على مرتادي أسواق المال خاصة فيما لو أعلن الخبر في الوقت الصحيح وضمن ظروف مناسبة وشروط مثالية.

كان الخبر  في أوج الطفرة "الجواد الرابح" لجميع الأطراف العاملة في سوق المال باستثناء صغار المستثمرين فقد استغله واستفاد منه كبار المتداولين مؤسسات وأفراد كما استفادت منه إدارات الشركات المساهمة العامة وشركات الوساطة وإدارات الأسواق وهيئات أوراق المال صحيح أن كل طرف من هذه الأطراف تعاطى مع الخبر واستفاد منه بطريقته الخاصة إلا أن الجميع ربح من وسائل الإعلام وكان يسعى إليها أكثر مما تسعى إليه والأدلة على ذلك كثيرة اقلها شأنا المؤتمرات الصحفية الكثيرة وما تخللها  من ولائم غداء أو عشاء وما تبع ذلك من هدايا قيمة وثمينة.

في أوج الطفرة عندما كان اتجاه أسواق المال في منحى صاعد، كانت الشركات المساهمة العامة وبمساعدة كوكبة من فرسان الإعلام تتجاهل الخبر السلبي وتضخم الخبر الإيجابي – حتى لو كان سخيفا بلا قيمة – وتصنع منه ضجيجا  مدويا يتلقفه صغار المستثمرين على عجل ويندفعون بتأثيره  لشراء بعض الأسهم  بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية عدة أضعاف- أحيانا عشرات الأضعاف – ولم تكتف الشركات عند هذا الحد بل استغلت الإعلام ليكون مطيتها لزيادة رأس مالها مع علاوات إصدار خيالية.

اليوم وبعد انتهاء حفلة الطفرة الكبرى، ودخول الأسواق الخليجية في نفق الأزمة المالية العالمية وضباب أزمة الديون السيادية الأوروبية، عادت نفس الأطراف لتستغل وسائل الإعلام مرة أخرى ولكن بطريقة مقلوبة هذه المرة، فالجميع اليوم يتجاهل الخبر الإيجابي ويضخم الخبر السلبي ويجعل منه " فزاعة " يتلقفها صغار المستثمرين وبتأثيرها يندفعون في بيع أسهمهم بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية عدة مرات.

الحظوة التي يلقاها الخبر السلبي في الأسواق الخليجية اليوم لن تدوم كثيرا وبعد حين سيتحول الأمر وستصبح حظوة التضخيم من نصيب الخبر الإيجابي وسيتم تجاهل الخبر السلبي تماما والمتابع الدقيق لحركة الأسواق وتفاعل الإعلام معها يكتشف أن هذه اللعبة مستمرة والتاريخ يعيد نفسه وفق دورات زمنية قد تطول وقد تقصر تبعا  للدورات الاقتصادية المحلية والإقليمية .

إن الخاسر الأكبر من  الدور السلبي لوسائل الإعلام وما تبثه من أخبار – مضخمة أو مقزمة – هم صغار المستثمرين لأنهم بمثابة الوقود لمحرقة تصممها الأطراف العاملة في أسواق المال وتشارك في إشعالها بقصد أو بدون قصد وسائل الإعلام.

أنا هنا لا أتهم وسائل إعلام بعينها ولا أحمل هذه الوسائل ما لا طاقة لها بتحمله فالوسيلة الإعلامية  مصممة بحد ذاتها للعمل بمهنية ومصداقية وحيادية  لكن المشكلة في بعض الصحفيين ممن لايمانع في المشاركة بحفلات تضخيم الأخبار أو تقزيمها ولذلك فإن جميع وسائل الإعلام وللمحافظة على تراثها وبريقها وجاذبيتها ومهنيتها وحياديتها ومصداقيتها، التعامل مع هذا الأمر على مستويين.

الاول: مهني وفقا لشروط  ومعايير وقيم على الصحفي الإلتزام بها، والثاني: مادي أي المطلوب من المؤسسة الإعلامية إرضاء صحفييها ماديا حتى لا يكونوا عرضة للفساد أمام أي إغراءات مادية تقدمها الأطراف العاملة في أسواق المال مقابل خدمات تضخيم الأخبار أو تقزيمها.