كيف يفكر الغرب وكيف نفكر - تداعيات انسحاب الامارات من العملة الخليجية

21/06/2009 6
د . جمال شحات

نعيش خلال الفترة الحالية أول أزمة مالية في هذا العصر العالمي الجديد. وسوف تؤثر نتائج القرارات التي سوف نتخذها علينا، ليس على مدى الأسابيع والشهور القليلة المقبلة فحسب، ولكن تداعيات هذه القرارات سوف تمتد لسنوات طويلة مقبلة. وتتطلب المشاكل التي نواجهها حلولاً عالمية وافكارا بناء.

ففي نهاية الحرب العالمية الثانية، أنشأ الأميركيون والأوروبيون، في خطوة تدل على بُعد نظرهم، نظاماً اقتصادياً جديداً، وأسسوا "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" وكيان تجاري عالمي. وتصرف الأميركيون والأوروبيون على هذا النحو لأنهم كانوا يعلمون أن السلام والرخاء عنصران متلازمان لا ينفصلان، ولأنهم كانوا يدركون أنه لكي يستمر الرخاء، فلابد من اقتسام مسئوليته. واليوم، تستدعي الحاجة القيام بتحرك دولي مماثل بعيد النظر من أجل حل أزمات وتحديات عصر مختلف. وتتطلب التحديات العالمية الكبرى التي نواجهها اليوم أكثر أنواع التعاون العالمي جرأة.

وخلال الآونة الأخيرة، أصبحت المؤسسات المالية الدولية القديمة التي تم تأسيسها خلال فترة ما بعد الحرب غير قادرة على التعامل مع الأزمات المالية التي يمكن أن تحدث في الوقت الراهن، وبات من الضروري إعادة بنائها من أجل التعامل مع عصر جديد ومختلف تماماً يتميز بحدوث تنافس على الصعيد العالمي، وليس على الصعيد المحلى فقط، إلى جانب التعامل مع الاقتصاديات المفتوحة، وغير المغلقة؛ حيث أن التدفق الدولي لرؤوس الأموال كبير جداً، لدرجة أن الحكومات الفردية لم تعد قادرة على التعامل معها بمفردها. وقد تراجعت مشاعر الثقة في المؤسسات والنظم المالية، التي تعد أغلى شيء على الإطلاق.

وقد اتفق الامريكيون مع وزراء مالية مجموعة الدول السبع الصناعية على أنه يتعين علينا جميعاً التعامل ليس فقط مع مشكلة السيولة في النظام المصرفي، وإنما أيضاً مع إدارة رؤوس الأموال ودعم تمويل البنوك.

وإتضح أن التحرك الوطني وحده لن يكون كافياً. ونحن ندرك بأنه يتعين علينا أن نبعث برسالة واضحة وغير ملتبسة إلى الأسواق، مفادها أن الحكومات الوطنية في شتى أنحاء العالم عامة وفى دول الخليج خاصة مستعدة للتحرك بطريقة منسقة ومنسجمة، وفعل كل ما يلزم من أجل إعادة الاستقرار للنظام المالي ومعالجة المشاكل الأساسية.

ويمكن القول بأن الثقة في المستقبل أمر ضروري وأساسي لبناء الثقة والمصداقية في الوقت الحالي. ويجب أن نتعامل مع ما هو أكبر من أعراض الأزمة المالية الحالية. ويتعين علينا أن نعالج المشكلة من جذورها. وعليه؛ فإن العمل خلال المرحلة المقبلة، ينبغي أن يركز على إعادة بناء نظامنا المالي والاقتصادى.

وقد التقى القادة الأوروبيون من أجل عرض المبادئ الأساسية التي نعتقد أنها ينبغي أن تحدد أسس الاتفاق التاريخي الجديد الذي يضاهي من حيث أهميته مؤتمر "بريتون وودز" الذي شهد ولادة النظام المالي العالمي الحالي في شهر يوليو عام 1944، وأن يساهم الجميع في إرساء مبادئ: الشفافية والنشاط المصرفي السليم والمسؤولية والنزاهة والإدارة العالمية المشتركة. وقد إتفقوا ايضا على ضرورة إتخاذ قرارات عاجلة من أجل تطبيق هذه المبادئ للقضاء على عمليات التسليف غير المسؤولة، والسرية في كثير من الأحيان، وهي العمليات التي تعد السبب الرئيسي للمشاكل المالية.

ومن أجل تنفيذ هذه الأهداف، فقد راينا الحاجة إلى مراقبة دولية للمؤسسات المالية، ووضع قواعد ومعايير عالمية مشتركة للحسابات والتشريع، وتبني توجه أكثر مسؤولية بخصوص أجور المديرين التنفيذيين تناسب العمل الشاق والجهود الصادقة وروح المبادرة، وليس المخاطرة غير المسئولة، إلى جانب تجديد المؤسسات الدولية لكي تكون أنظمة إنذار مبكر فعالة للاقتصاد العالمي.

وقد ناقشوا  الإصلاحات العاجلة للنظام المالي العالمي، والخطوات الحاسمة التي ينبغي اتخاذها من أجل تجنب حدوث أزمة أخرى واستعادة الثقة، التي نحتاج إليها من أجل إعادة البنوك إلى ممارسة هدفها الأصلي والأساسي، وهو الحفاظ على تدفق الأموال إلى الأفراد والشركات.

وتعتبر الإصلاحات التي أشرت إليها من قبل مطالب ضرورية وحيوية من أجل ضمان تحقيق عولمةُ المصلحة والفائدة ليس لفئة محدودة فقط، وإنما لكافة العائلات والشركات التي تتعرض لضغط قوي في كل المجتمعات الغربية. ومن المهم أيضاً أن نسعى، خلال اجتماع الزعماء الدوليين المقترح، إلى عقد اتفاق تجاري عالمي ونبذ السياسة الحمائية وإتهام دول الجوار بالتسول التي كانت من مميزات الأزمات السابقة.

ولن يكون هناك حلول بريطانية، أو أوروبية، أو أميركية فقط، للمشاكل المالية والإقتصادية الحالية؛ لأنهم جميعاً في قارب واحد، ولا نستطيع حل هذه المشكلة إلا من خلال التعاون والعمل المشترك. أنه إذا توافرت الإرادة السياسية يمكن الاتفاق على حزمة عالمية بقيمة مليارات الدولارات من أجل إعادة تمويل مصارفنا ومؤسساتنا المالية في العديد من قارات العالم المختلفة. وسوف يتعين علينا، خلال الأسابيع القليلة القادمة، أن نظهر نفس القدر من العزم والتصميم وروح التعاون من أجل خلق قواعد لإقتصادنا العالمي الجديد. وإذا قمنا بهذا الأمر، فسوف نتذكر عام 2008 ليس باعتباره العام الذي شهد إندلاع الأزمة المالية العالمية فحسب، ولكننا سوف نتذكره أيضاً على أنه العام التي بدأنا فيه مشروع بناء العالم من جديد.

تداعت كل هذه الامور الى ذاكرتى عندما سمعت بانسحاب الامارات من الوحدة النقدية الخليجية وتسالت عن اسباب هذا الانسحاب وتداعياته على مستقبل العملة الخليجية .

ان العوامل المشتركة والقواسم المتشابهة بين دول مجلس التعاون الخليجى اكثر بكثير مما يفرقهم فاذا قمنا بعقد مقارنة بسيطة بين هذه العوامل المشتركة وبين العوامل المشتركة لدول الاتحاد الاوربى لوجدنا ان هناك فرقا شاسعا وبونا بعيدا بين ما يجمعنا ويجمعهم وكذلك بين ما يفرقنا ويفرقهم . ولكنهم فى الغرب وضعوا خلافاتهم جانبا او على الاصح وضعوا معظم خلافاتهم جانبا ووضعوا نصب اعينهم المصلحة العامة وبالتالى توارت المصالح المحلية  الضيقة  جانبا .

اننى ارى ان انسحاب الامارات من الوحدة النقدية الخليجية سيكون له تداعيات كبيرة قد تؤثر على مستقبل العملة الخليجية خاصة انه ياتى بعد انسحاب سلطنة عمان وبالتالى فان الدول التى مازالت مشتركة هم 4 دول فقط .

وقد جاء انسحاب الامارات بعد اعلانها انها لن تنضم الى الوحدة النقدية الخليجية المقترحة بسبب قرار يقضى باتخاذ الرياض مقرا للبنك المركزى الخليجى  ويمثل قرار الامارات نكسة اخرى يواجهها المشروع الذى كان من المؤمل ان يفضى الى اطلاق العملة الخليجية الموحدة .

وقد كان هذا القرار هو الانسحاب الثانى بعد قرار سلطنة عمان بعدم الانضمام الى العملة الموحدة فى نهاية عام 2006 ومن ثم قرار الكويت بتعويم عملتها الدينار وبالرغم من عدم انسحاب الكويت الا ان دمجها فى عملة موحدة يتطلب اجراء تغييرا فى سياسة سعر الصرف .

وباعتبار الامارات ثانى اكبر اقتصاد فى دول الخليج فان انسحابها يعتبر ضربة مؤثرة على مستقبل اطلاق العملة الخليجية .

ويعتبر القرار الاماراتى سياسيا بالدرجة الاولى حيث تحرك السياسة هذا المشروع اكثر مما يحركه الاقتصاد .

وتجدر الاشارة الى ان السياسة كانت المحرك لقرار الاتحاد الاوربى بتبنى اليورو كعملة موحدة ولكن على النقيض مما حدث فى الاتحاد الاوربى او فى الغرب بصفة عامة نجد ان البحث عن المصلحة العامة هى المحرك لهم على اتخاذ القرارات التى تدعم وحدتهم.

ولكن ملاحظتى على العملة الخليجية انه لم يكن هناك دافع سياسى واضح لدول الخليج  - بالرغم من وجوده -بالاضافة الى عدم تعريف رجال الاعمال والمواطنين باهمية هذا الامر قبل فترة كافية لتبنى مشروع العملة الخليجية  مما يعنى التمهيد بفوائد وعوائد العملة  الخليجية  الموحدة على اقتصاديات وشعوب دول الخليج .

ولذلك فان المتوقع ان المكاسب من الوحدة النقدية الخليجية الحالية ستكون اقل وضوحا من المكاسب فى منطقة اليورو .

وختاما فان كل ما ارجوه ان تعيد الدول المنسحبة النظر فى الفوائد والعوائد التى تعود على اقتصاديات المنطقة     ككل ولا تنظر من منظور  محلى ضيق وانما من منظور اقليمى واسع يعود بالفائدة على كل شعوب المنطقة .