هل سيصبح الذهب من المعادن النادرة جدًا؟

24/12/2025 0
د. عبد الرؤوف المبارك

منذ آلاف السنين شكّل الذهب جوهر مفهوم الثروة ومخزنًا موثوقًا للقيمة، فاستُخدم في الحضارات القديمة كعملة وزينة ورمز للسلطة، ثم أصبح لاحقًا أساسًا للأنظمة النقدية العالمية قبل الانتقال إلى العملات الورقية. ورغم هذا التحول، لم يفقد الذهب مكانته، بل عاد بقوة في العقود الأخيرة مع تصاعد التضخم، وتكرار الأزمات المالية، وتزايد الشكوك حول استقرار النظام النقدي العالمي. اليوم، ومع التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية المتسارعة، يطرح سؤال جوهري : هل يتجه الذهب لأن يصبح معدنًا نادرًا جدًا من حيث التأثير الاقتصادي والتداول؟ 

من ناحية العرض، تشير التقديرات إلى أن البشرية استخرجت منذ بداية التعدين أكثر من 216 ألف طن من الذهب، وهناك ما يقارب 64 ألف طن من إجمالي الذهب القابل للاستخراج. أما الكميات المتبقية، فهي غالبًا موجودة في أعماق أكبر، أو في مناطق نائية ومحميات بيئية، ما يجعل استخراجها أكثر تكلفة وتعقيدًا من الناحية التقنية والبيئية. كما أن معظم المناجم الكبرى أصبحت أقل إنتاجًا مما كانت عليه في السابق، في حين أن الاكتشافات الجديدة لم تعد كافية لتعويض ما يُستخرج سنويًا. ونتيجة لذلك، فإن الإنتاج العالمي من الذهب ينمو بوتيرة بطيئة، بالكاد تواكب الطلب، وهو ما يخلق فجوة هيكلية متزايدة في جانب الإمدادات. 

في المقابل، يشهد الطلب على الذهب توسعًا واضحًا على أكثر من صعيد. فالبنوك المركزية زادت مشترياتها خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة، تجاوزت في بعض الأعوام ألف طن سنويًا، في إطار سعي الدول لتنويع احتياطاتها وتقليل الاعتماد على الدولار. وتحتفظ دول كبرى بكميات ضخمة من الذهب في خزائنها، مثل الولايات المتحدة بأكثر من 8,100 طن، وألمانيا بنحو 3,350 طنًا، وفرنسا وإيطاليا بأكثر من 2,400 طن لكل منهما، إضافة إلى الصين والهند اللتين تواصلان تعزيز احتياطاتهما. إلى جانب ذلك، لا يزال الطلب الاستثماري الفردي قويًا، كما تتزايد الاستخدامات الصناعية والتقنية للذهب في الإلكترونيات الدقيقة، والطب، والفضاء، مستفيدة من خصائصه الفريدة مثل مقاومة التآكل وارتفاع الموثوقية. هذا التداخل بين الطلب الاستثماري والطلب الصناعي، مع احتجاز كميات كبيرة من الذهب في خزائن الدول، يقلّص المعروض المتداول في الأسواق ويعزز الشعور بندرته الاقتصادية. 

انطلاقًا من هذه المعطيات، يمكن القول إن الذهب لا يواجه خطر النفاد الجيولوجي القريب، لكنه يقترب تدريجيًا من حالة ندرة اقتصادية حقيقية. فمع تباطؤ الاستخراج، وارتفاع تكاليف التعدين، وتكدس كميات متزايدة من الذهب في خزائن الدول والمؤسسات بعيدًا عن الأسواق، تصبح الكميات المتداولة أقل، ويزداد الشعور بندرته وتأثيره الاستراتيجي. هذا الواقع قد يرجّح بقاء الذهب عند مستويات مرتفعة على المدى الطويل وربما انفجارًا فوريًا في الأسعار، مما يعزز مكانته كأصل عالي القيمة، محدود التداول، وذا أهمية استراتيجية متزايدة في عالم اقتصادي يتسم بعدم اليقين والثقة بالأوضاع الاقتصادية وبالعملات الورقة المتداولة.

 

خاص_الفابيتا