التعليم في المملكة العربية السعودية: منهجية مقترحة لتعريف التحديات وترتيبها

22/12/2025 0
د. إبراهيم بن محمود بابللي

كيف نستطيع تعريف التحديات الأكثر أهمية وتأثيراً على قطاع التعليم في المملكة العربية السعودية؟ وكيف يمكن اختيار عددٍ من هذه التحديات المهمة والمؤثرة التي نتوقع أن يكون التدخل لحلّها أكثر نجاعة وأوسع أثراً؟ نقترح لهذه المهمة منهجية جدول تعريف التحديات وترتيبها (Phenomena Identification and Ranking Table PIRT)، ونرى أنها قد تكون الأداة الأنسب للقيام بهذه المهمة. 

هذه المنهجية طورتها هيئة التنظيم النووي الأمريكية (Nuclear Regulatory Commission) في الثمانينات من القرن العشرين لتعريف التحديات التي يواجهها التشغيل الآمن للمفاعلات النووية، وترتيبها من حيث الأهمية. طُوِّرَت هذه المنهجية للإجابة على أسئلة لم تستطع النظريات العلمية، ولا الأبحاث، ولا البرامج الحاسوبية الضخمة، ولا المنهجيات المتبعة وقتها، الإجابة عنها، مثل: هل التسريب البسيط في منظومة تبريد المفاعل أخطر من التسريب الكبير؟ قد يبدو السؤال للوهلة الأولى غيرَ منطقي، ولكن الحادث الذي وقع في الوحدة الثانية من محطة Three Mile Island في ولاية بنسلفانيا الأمريكية عام 1979م أظهر بوضوح أن التسريب البسيط أكثر خطورة من التسريب الكبير، لأن آثاره وتبعاته لم تكن مفهومة. ثم استخدِمَت هذه المنهجية لاحقاً في مجالات أخرى مثل: الفضاء والبحث العلمي والتعليم، بسبب فعاليتها في تحسين موثوقية تعريف التحديات واتخاذ القرارات لحلّها.  

تعتمد منهجية "PIRT"على اجتماع عدد من الخبراء في القطاع المستهدف تعريف التحديات الخاصة به، ومن القطاعات ذات العلاقة، في مكان واحدٍ، ثم يعرّفون عدداً من التحديات ويرتبونها من حيث الأهمية والأثر. ثم تناقش التحديات ويقيّم تأثيرها على أداء المنظومة/القطاع، مما يساعد في توجيه جهود التدخل نحو التحديات الأكثر أهمية، ويرفع من احتمالية نجاح مبادرات التدخل لحلها. كما تناقش خلال الاجتماعات توافر المعلومات والبيانات حول التحديات التي ستعطى الأولوية في التدخل، ومدى موثوقية هذه البيانات.

إن خطوات منهجية "PIRT" يمكن تلخيصها كما يلي: 

1.تحديد المشكلة التي من أجلها ستستخدم منهجية "PIRT"، والأهداف المتوقع تحقيقها.

2.تحديد مكونات القطاع، أو المنظومة، التي ستستخدم منهجية "PIRT" في تعريف التحديات الخاصة بها.

3.تحديد معايير التقييم، وهي المقاييس الرئيسية التي سيستخدمها الخبراء للحكم على الأهمية النسبية لكل تحدِ. ويجب أن يكون لدى جميع الخبراء المشاركين في تطبيق منهجية "PIRT" فهمٌ واضحٌ ومتّسق لمعايير التقييم وكيفية استخدامها لتصنيف التحديات.  

4.تحديد وجمع ومراجعة الأبحاث والدراسات والإحصاءات المنشورة عن الموضوع الذي من أجله اتخذ القرار لتطبيق منهجية "PIRT".  

5.تحديد جميع التحديات المحتملة.  

6.ترتيب الأهمية لكل تحدٍ، مع تفصيل المبررات التي جعلت من التحدي مهماً.  ويكون تصنيف الأهمية بناءً على معايير التقييم، المحددة سابقاً.  

7.تقييم مستوى المعرفة (بيانات، معلومات، أبحاث، دراسات، إحصاءات، وغيرها) ودرجة موثوقية مستوى المعرفة المتعلقة بكل تحدٍ قام الخبراء بتعريفه. 

8.توثيق النتائج.

وتستخدم التصنيفات التالية عادة لتحديد مستوى الأهمية وتفاصيل المعلومات الخاصة بالتحديات عند تعريفها:

 
ونسرد فيما يلي مثالاً افتراضياً على تطبيق منهجية "PIRT" في تطوير تعليم الرياضيات، بناءً على الخطوات الثمانية التي أوضحناها أعلاه، مع الملاحظة أن هذا المثال لم يُبْنَ على دراسة أو نقاش مع المختصين، فهو للتوضيح فقط: 
1.المشكلة: تعليم الرياضيات وتَعَلُّمُها.
2.المكونات (سنكتفي بثلاثة): 
•انخفاض نتائج الطلاب في الرياضيات (في الاختبارات الوطنية والدولية).  
•تفاوت كبير بين مدارس القرى والمدن.  
•عزوف الطلاب عن التخصصات العلمية.  
3.معايير التقييم: أ = مهم جداً، ب = مهم، ت = متوسط الأهمية، ث = قليل الأهمية.
4.المراجع: تكليف فريق متخصص بجمع كافة المراجع المتاحة، بالتنسيق مع الخبراء المشاركين، وبالاستعانة بالذكاء الصناعي، ودراسة المراجع وتحليلها.
5.التحديات (سنكتفي بثلاثة): 
•ضعف تأهيل المعلمين: نقص التدريب على طرق التدريس الحديثة للرياضيات (مثل التعلم القائم على حل المشكلات). 
•مناهج غير جاذبة: محتوى تقليدي يركز على الحفظ، مع ضعف الربط بالتطبيقات الواقعية.
•قلق الطلاب من الرياضيات: خوف الطلاب من المادة واعتقادهم عدم جدواها.
6.الترتيب:
أ‌.ضعف تأهيل المعلمين: جودة المعلم هي العامل الأكثر تأثيرًا في تعلم الرياضيات.
ب‌.قلق الطلاب من الرياضيات: مشكلة نفسية-تربوية تحتاج لحلول متخصصة (مثل تعليم قائم على الألعاب). 
ت‌.مناهج غير جاذبة: المحتوى غير المشوق يقلل من رغبة الطلاب في التعلّم.
7.مستوى المعرفة: المعلمون = ك، القلق = م، المناهج: ل.
8.التوثيق: يظهر لنا من المثال الافتراضي أن موضوع قلق الطلاب من الرياضيات أقل أهمية قليلاً من موضوع ضعف تأهيل معلمي الرياضيات، ولكن لأن مستوى المعرفة لموضوع القلق مشتت مع موثوقية ضعيفة، فإنه يحسُنُ البدء به في صياغة التدخلات المطلوبة لتطوير تعليم الرياضيات.
هذه المقالة تختصر منهجاً علمياً مجرّباً، سبق له النجاح في إيجاد حلول وتدخلات في قطاعات مقعدة ومتشابكة، مثل: الطاقة النووية، وكذلك في الفضاء والكيماويات. ونأمل أن يكون في هذا الاختصار ما يكفي من المعلومات لِلَفتِ انتباه العاملين على تطوير التعليم لهذه المنهجية.
 
 
خاص_الفابيتا