التعليم في المملكة العربية السعودية: التحديات التي تواجه المنظومة التعليمية في المملكة

21/12/2025 0
د. إبراهيم بن محمود بابللي

لسنا بِدْعاً من الأمم في مواجهتنا تحديات قطاع التعليم، لا شك في ذلك. وإن المسؤول عن قطاع التعليم مثله مثل الطبيب المعالِج، لا يستطيع وصف العلاج الناجع إلا بعد تشخيص الداء. فهو يحتاج لتعريف التحديات وترتيبها من حيث الأهمية حتى يستطيع اقتراح الحلول المناسبة لها، بدءاً بالأهم فالمهم. 

فكيف نعرّف هذه التحديات، ومن سيعمل على تعريفها؟ أحسب أن الإجابة على السؤال الثاني – من وجهة نظري – ستقودنا لإجابة السؤال الأول. 

قد لا يبدو لأول وهلةٍ أن لقصة الفيل والعميان الستة، من كتاب تِيتْها سُوتّا (نص بوذي يعود للقرن الخامس قبل الميلاد)، علاقةً بتحديات التعليم، ولكن امنحوني صبركم كرماً.

تقول القصة إن "ستة رجال كُمْهٍ (جمع أكمَه وهو الذي ولد أعمى) سمعوا عن وصول فيلٍ إلى قريتهم، فرغبوا في التعرف على هذا المخلوق العجيب، فاقتربوا منه على حذر. مدّ الأول يده فتحسست خرطوم الفيل، فقال: إن الفيل كالثعبان الغليظ. ووقعت يد الثاني على ناب الفيل وتحسس نهايته، فقال: إن الفيل يُشبِه الرُّمح. أما الثالث فلمس أذن الفيل، فقال: إن الفيل يشبِه المروحة. وتحسس الرابع ساق الفيل، فرآها تُشبه جذع الشجرة الضخمة. وكان الخامس أجرأ الجميع فاصطدم بجانب الفيل، فقال متيقنا: إن الفيل كالجدار. ولكن السادس قال، بعدما أمسك ذيل الفيل، إن الفيل كالحبل."

كلٌّ واحدٍ منهم كان دقيقاً في وصف ما لمِسه أو أمسكه، ومقتنعاً أنه على حق في إسباغ وصفِهِ تعريفاً للفيل. ولكنهم كانوا جميعاً مخطئين في وصف الفيل. وأحسب أن هذا أحد أهم التحديات التي تواجه تطوير قطاع التعليم في المملكة العربية السعودية، لأننا عندما نلجأ لخبراء غرباء عنّا، وعن مجتمعنا، وعن المنظومة التعليمية ونسيجها، كي يشخصوا تحديات قطاع التعليم ثم يقترحوا حلولاً، فإننا نطلب من أكمَه لا يستطيع رؤية الفيل أن يصفه من لمسة واحدة أو اثنتين. 

عمِلتُ مستشاراً للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في التسعينيات الميلادية، وكان نطاقُ عملي تطويرَ مناهج الثانويات الصناعية. عندما اجتمعنا بالمجموعة الاستشارية الأجنبية التي كانت تقدم الدعم للمؤسسة، وجدناهم مقتنعين بالحاجة لتغيير مناهج الثانويات الصناعية لتكون باللغة الإنجليزية. ولم نجد ضمن أولوياتهم، على سبيل المثال، التعليم باستخدام الحاسب (Computer Based Education) لتطوير مهارات طلاب الثانويات الصناعية، مع توافر البرامج المناسبة للقيام بذلك في صلب التخصصات التي كانت تُدرّس، مثل برنامج أوتوكاد. 

وإن الباحث عن أسباب التحديات التي تواجه منظومة التعليم في المملكة العربية السعودية على الإنترنت، سيجد كثيراً من الكتاب العرب والأجانب – على حد سواء – ينسبونها إلى تعليم القرآن والمواد الدينية في المدارس السعودية. 

ولقد زارنا في مقر وزارة التجارة والصناعة في الرياض عام 2008م أحد أفضل الخبراء في العالم في مجال تطوير القوى البشرية الصناعية – بحسب الشركة الاستشارية الأجنبية التي أتت بِه – ليُشير علينا بالأسلوب الأمثل لتطوير القوى البشرية الوطنية في مجال الصناعة، إذ كنّا وقتها نعمل على تطوير الاستراتيجية الوطنية للصناعة، وكان محور القوى البشرية الصناعية من أهم محاور الاستراتيجية. اقترح علينا الخبير إعادة توطين كل العمّال الصناعيين السعوديين العاملين في الدول الأخرى، الأجنبية منها والعربية. سألناه إن كان لديه تقديرٌ لعدد هؤلاء العمّال الصناعيين السعوديين، لأننا لا نعرف عن هذا الموضوع شيئاً، فأجاب أنه يتوقع أن عددهم قريب من عدد العمال الصناعيين المصريين العاملين في الدول الأجنبية والعربية. كان الخبير على يقين أنه لا فرق كبير بين المملكة العربية السعودية ومصر، من حيث القوى البشرية الصناعية التي تعمل في الخارج، فهما دولتان متشابهتان، لغتهما عربية، كبيرتا المساحة، قريبتان من بعضهما البعض، وفيهما عددٌ لا بأس به من السكان. 

وقديماً قالت العرب: "شر البليَّةِ ما يُضحِك." 

وقبل بضع سنوات، عملت شركة استشارية أجنبية على استراتيجية للبحث والتطوير، فاقتَرَحَتْ دَمْجَ سكنِ طلاب وطالبات الجامعات السعودية ليكونوا معاً في سكنٍ واحدٍ مختلط، بحجة أن هذا سيرفع من جودة التعليم الجامعي. 

المنهج الذي تعمل عليه الشركات الاستشارية يعتمد على المقارنات المعيارية (Benchmarking)، فعندما يقوم الخبير – الذي لا يعرف شيئاً عن المملكة العربية السعودية – بمقارنة منظومة التعليم الجامعي في فرنسا، على سبيل المثال، بمنظومة التعليم الجامعي في المملكة العربية السعودية، سيجد أن سكن الطلاب في كثير من الجامعات الفرنسية مختلط، وسكن طلابنا وطالباتنا مفصول، وهذا أحد الفوارق بين المنظومتين الذي تُظهِرُهُ المقارنة المعيارية، فاقترح المستشار الخبير مبادرة دمج سكن الطلاب والطالبات الجامعيين لرفع جودة التعليم الجامعي. 

في الحقيقة، لا ألوم الخبراء الأجانب، فذلك مبلغهم من العِلم. 

التعليم قطاع استراتيجي حساس، نجاحه سيصب في نجاح كل قطاعات الاقتصاد دون استثناء. ولأنه يتقاطع مع كل المكونات البشرية والاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية، فيُؤثّر فيها ويتأثر، فإن أي قرارٍ أو إجراءٍ يُتخذ في قطاع التعليم سيؤثر على قطاعات عِدّة، خاصة إذا كان القرارُ معنياً بتطوير التعليم للسنين الأولى، أو كان معنياً بتطوير السياسات التي ينبغي أن تبنى عليها القرارات الاستراتيجية. 

هذه المقالة مقدمةٌ ضرورية لمقترحي – في المقالة التالية – باستخدام منهجية جدول تعريف التحديات وترتيبها (Phenomena Identification and Ranking Table) لتعريف التحديات التي تواجه قطاع التعليم في المملكة العربية السعودية. 

 

خاص_الفابيتا