"الاقتصاد الصيني غير مستقر وغير متوازن وغير منتظم".. هكذا وصف رئيس الوزراء الصيني الأسبق "ون جيابو" اقتصاد بلاده عام 2007، بعد فترة نمو وتغير غير مسبوقة، بدأت مع إصلاحات "دنغ شياوبنغ" في 1978. ذلك النمو المؤثر نتج عنه تبعات أدت برئيس الوزراء لاكتشاف عيوب وتصدعات وجيوب فاسدة الدور بالرغم من القفزات والنجاحات النوعية في كل المجالات، ورغم ذلك استطاعت الصين نقل حوالي 600 مليون من الفقر إلى الطبقة الوسطى خلال جيل واحد. كل اقتصاد في العالم يحتاج وقفة خاصة بعد فترة تغير معتبرة في الحجم والمضمون والمدة. السعودية ليست، وربما كل العالم ليس، الصين في حجم النقلة النوعية أو الحيثيات، فكل اقتصاد حالة محددة لها ظروف وتوجه ومعيار. ومع نهاية العام وقرب الذكرى العاشرة لانطلاق الرؤية أعتقد أن الاقتصاد الوطني على عتبة مراجعة واسعة بعد تغير كبير وسريع منذ الرؤية.
كل اقتصاد في العالم يحتاج مراجعة، الاختلاف فقط على الدرجة ومقدار الصراحة ودقة التشخيص وآفاق الحلول. الاقتصاد السعودي ذو طابع مالي في الأساس، منذ التحول المالي المفصلي مع بداية السبعينات واستمر كذلك على الرغم من محاولة التحول من خلال الخطط الخمسية المتعاقبة، وحقق إنجازات في البنية التحتية والخدمية ومستوى معيشة طيب للغالبية الساحقة من المواطنين حتى الصناعية منها، ولكن الاقتصاد لم يخرج كثيرا من طابعه المالي والتكيف معه. يقال ليس هناك غداء مجاني. التكيف قاد لتوغل الاستهلاك ونقص الاستثمارات واستسهال الاستقدام والتهاون مع التعليم حتى للنخبة التكنوقراطية. هذه العيوب تراكمية بطبيعتها إلى أن وصلنا إلى محاولة الرؤية بنفض الغبار وتلمس طريق جديد.
خطوات كثيرة قادت إلى استفحال توظيف المال بغرض تكبير الدخل القومي الإجمالي، والذي أهم عنصر فيه إنفاق الحكومة والاستهلاك وقلة الاستثمارات الهادفة، بالتالي زاد الاستقدام والإنفاق والاستثمار الذي ذهب أغلبه إلى استثمارات تطويرية عقارية وغير عقارية غير قابلة للاستدامة وتعاني من ضعف هيكلي في المضاعف. تطورات قادت لرفع مستوى الدخل القومي الإجمالي دون نمو عضوي- تطوير معرفي وفني وصناعات نوعية. مع الوقت قادت هذه التطورات للضغط على المالية العامة باستهلاك بعض الفوائض المالية وحتى المبالغة في الاقتراض.
الظروف الموضوعية تغيرت اليوم، فهناك تجربة أطول، وهناك انفتاح مجتمعي ومشاركة أعلى في العمل وخاصة من المرأة، وتطور مؤثر في الخدمات العامة والخاصة الإلكترونية. ولكن أيضا هناك انخفاض في أسعار النفط منذ حوالي عشر سنوات بالرغم من الجهود المشهودة والنوعية لوزارة الطاقة. لم تتغير السياسة الاقتصادية في الجوهر إلا في بعض القطاعات مثل الطاقة والالتفات إلى الصناعات العسكرية، بينما المالية العامة في وضع غير قابل للاستدامة قياسا على حجم العجز وتنامي الدين العام. في القطاع البشري الأهم العيوب بدت أكثر وضوحا بداية بتعليم النخبة بالرغم من تكاثر الأفراد و المواهب عالية الكفاءة والهمة، في المجمل لا نختلف كثيرا عما ذكر رئيس وزراء الصين في وصفه لاقتصاد بلاده قبل حوالي 18 عاما. حان الوقت لوقفة صادقة و مراجعة حصيفة تبدأ بمراجعة النخبة الاقتصادية.
خاص_الفابيتا


