تداعيات التعرفة الجمركية

23/04/2025 0
فواز حمد الفواز

في عمود سابق حاولت شرح التوجهات الـ3 التي تعد منطلق لسياسات ترمب، وهي الحالة الأمريكية اقتصاديا وماليا، والتمركز الجيوسياسي المقلق مقابل الصين، والحالة الموضوعية لقدرة أمريكا على التحول داخليا بما يتناسب مع التوجه الأول والثاني. عمود اليوم يتعامل مع التداعيات الداخلية والخارجية وخاصة السعودية. الوضع الكوني يتشكل بسبب التقنية والحالة الضاغطة على أثر محاولة قوة صاعدة التمركز مقابل القوة النافذة. حصة أمريكا في الاقتصاد العالمي تتناقص وسكانها بالرغم من الهجرة فهم أقل من 5% من سكان العالم والأهم تعاني تحديات مالية وصعوبة في المنافسة مع الدول الصاعدة. أقسم التداعيات إلى شقين الأول داخلي والثاني دولي.

داخليا، إشكالية الدين مؤثرة بعد أن بدا أن هناك صعوبة مجتمعية وسياسية في السيطره عليه ولكن لا يمكن فصل الدين ( الاستعداد لرفعه أو الحد منه من خلال العجز في الميزانية) عن النمو والتضخم والدولار والخيارات الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية. أيضا للدين جانب دولي رأيناه في حراك سوقي في السندات والصرف ما جعل الإدارة تضطر إلى تأجيل الرسوم ٣ أشهر أخرى. بل لا يمكن فصل الحالة المالية والاقتصادية عن دور الدولار في المدى المتوسط والبعيد. أخيرا هناك تعلق غير عادي بإعادة دور التصنيع في أمريكا. طبيعة الاقتصادات تغيرت في الدول المتقدمة، فالعاملون في الصناعة في تناقص قبل صعود الصين، في 1943 كان 39% من الأمريكان يعملون في الصناعة، لتصل النسبة إلى 25% في 1970، وثم 20% في 1980( قبل أن تصبح الصين دولة صناعية).

كذلك نجد التوجه نفسه في ألمانيا واليابان. أحد الأسباب ارتفاع الإنتاجية فمثلا في 1980 كان عامل الصلب ينتج 083. طن في الساعة، وفي 2018 استطاع إنتاج 1.67. ارتفاع الإنتاجية والنمو يرفع مداخيل الجميع ولو أن هناك فئات تكون ضحية التقدم حتى يتم إعادة تموضعها مجتمعيا واقتصاديا. واقعيا شكلت هذه الفئات أرضية خصبة لتغير المشهد السياسي في أمريكا، إضافة إلى عوامل أخرى.

كما أن التصنيع بالمفهوم الجديد يتطلب إعادة نسيج طويلة في سلاسل الإمداد والبنية التحتية والإعداد البشري. فمثلا ذكر أحد المختصون أن الجامعات الأمريكية تخرج نحو 200 مهندس تعدين سنويا مقابل آلاف في الصين، وكذلك في فنيين الكهرباء. الافت أن تركيز ترمب على المصنوعات، لكنه يتفادى ذكر قطاع الخدمات الذي بدأ يصبح أكثر أهمية وغالبا لمصلحة أمريكا (فائض 278 مليار في 2023). إعادة بناء القاعدة المناسبة يتطلب سنوات طويلة لا تتماشى مع التقويم السياسي وما تعود الناس عليه. لذلك التحدي كبير وغير خطي بطبعه وبالتالي حتى لو نجح سيكون هزات وتفاعلات غير متوقعة.

خارجيا، علاقة أمريكا بالعالم ستكون على 3 مستويات، الأول الدائرة القريبة وهذه مكونة من كندا والمكسيك ومن ثم اليابان وكوريا وتايوان. الدائرة الثانية مكونة تقريبا من الجميع بدرجات متفاوتة. الدائرة الثالثة الصين كمنافس عتيد ليس اقتصاديا فقط. خطوط المواجه تبدأ باعتقاد أمريكي أنه ربما نحن على عتبة آخر فرصة لإيقاف الصين، وتتشكل من مرونه أمريكا مقابل انضباط الصين من ناحية وصبر الصيني مقابل حساسية الثقافة الأمريكية للوقت والمتغيرات الاقتصادية والمالية. بالنسبة للسعودية هناك عدة أبعاد، الأول في قطاع النفط والطاقة خاصة في ميدان استقرار الطلب ونفوذ أمريكا المتبقي في الحفاظ على مركزية النفط.

فكما رأينا من زيارة وزير الطاقة الأمريكي وتمركز سياسية السعودية في مصادر الطاقة النفطية والذرية، الثانية الفرصة لسياسات انتقائية في ظل منظومة عالمية في طور التكوين ومنافسة غير منظمه خاصة في الحصول على التقنية والتمركز التجاري من مصادر مختلفة، والثالث الوعي بحالة عدم اليقين والمخاطر الممكنة، فمثلا قانونيا ليس هناك ما يمنع عقود الخزينة الأمريكية من تمديد المدة من 5 أو 10 سنوات إلى 100 سنة بنسبة الفائدة نفسها.

 

 

نقلا عن الاقتصادية