تعد منظمة التجارة العالمية «WTO» إحدى أبرز المنظمات الدولية المنظمة للتجارة العالمية بين الدول الأعضاء، وقد برزت بالاسم القديم «GATT»، منذ 1947 بعدما حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها إلى بداية 1 يناير 1995 أو بالتحديد في أخر دقيقة من منتصف ليلة 31 ديسمبر 1994، وذلك بهدف تشجيع التجارة البينية بين الدول الأوروبية التي أثرت الحروب في اقتصاداتها وفيما بعد توسعت عضويتها ونشاطاتها واتفاقياتها لتشمل دول أخرى حول العالم في عدة جولات، من أبرز أهداف منظمة التجارة العالمية تسهيل إجراءات التجارة بين الدول الأعضاء وتسهيل النفاذ الى أسواق الدول الأعضاء من غير تمييز أو عوائق نظامية وحمائية لحماية الاقتصاد المحلي على حساب اقتصادات الدول الأعضاء.
تواجه منظمة التجارة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة أصعب التحديات بسبب الحروب والصرعات التجارية الدولية بين بعض الدول الأعضاء، وذلك منذ تحولها الى «WTO» في الأول من يناير 1995م بعد تحولها من الاسم القديم المعروف بالاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية «GATT». وتعد هذه التحديات الاختبار الأصعب لقدرتها على التدخل في النزاعات التجارية بين الدول الأعضاء وإيجاد الحلول المناسبة، بجيث لا تتعارض مع أحكام الاتفاقيات التي وقعت عليها الدول الأعضاء، يهدف هذا التحول في الاتفاقيات إلى جذب أعضاء جدد من خلال الحوافز الاستراتيجية، لقد كانت جولة الأرجواي انطلاقة قوية للتحول إلى النظام التجاري العالمي الجديد، هذا التحول في اسم المنظمة وصورتها الذهنية جاء بعد جولات عديدة من المفاوضات التي انتهت بإتفاقيات وقعت عليها جميع الدول الأعضاء بما يخدم مصالح الجميع من غير تمييز أو سياسات حمائية أو حصحصة، لكننا اليوم نشهد تحولاً خطيراً في الساحة الإقتصادية العالمية، حيث برزت النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كذلك برز الإغراق بين الكثير من الدول الاعضاء، عادت السياسات الحمائية إلى الساحة بعدما فرضت الولايات المتحدة ضرائب عالية على المنتجات الصينية ثم تلاها قيام الصين بفرض ضرائب على بعض المنتجات الأمريكية.
اذا استمرت النزاعات التجارية بين الصين والولايات المتحدة من غير حلول جذرية لتعود الأمور إلى نصابها، فإن فيروس النزاعات التجارية سينتشر بين بقية الدول الأعضاء ما يهدد استمرارية وفاعلية منظمة التجارة العالمية، بل قد تتحول النزاعات التجارية إلى حروب عسكرية تهدد الأمن والسلام والاقتصاد العالمي.
لا تحسد إدارة منظمة التجارة العالمية على الموقف الصعب في النزاع التجاري الأمريكي - الصيني بالرغم من تصريحات المسئولين فيها بأهمية حل النزاعات التجارية بين الدول الأعضاء من خلال مركز حل النزاعات التجارية في جنيف. يرى المسئولون في منظمة التجارة العالمية عدم التدخل في النزاع التجاري الأمريكي الصيني بسبب عدم اختصاص المنظمة في ذلك. الحقيقة أن إدارة المنظمة وبقية الأعضاء لا يستطيعون التدخل لأنهم يعلمون بأن الولايات المتحدة ستثير قضايا إغراق نائمة ضد بعض دول الإتحاد الأوروبي، أما من حيث القوة القانونية الأمريكية فهي تفوق قوة منظمة التجارة العالمية وجميع أعضائها مجتمعين، بل أنها تقرر مصير المنظمة ومستقبلها.
ولنتذكر أن انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية جاء متأخراً ربما لأسباب منها تقوية قاعدتها الإقتصادية من غير قيود عليها في نواحي الإغراق والحمائية والحصحصة، ومنذ 2002 إلى 2018م تقدمت الولايات المتحدة بـ 23 قضية تجارية ضد الصين التي تقدمت بـ 15 قضية ضد الولايات المتحدة، كسبت الولايات المتحدة 9 من القضايا ضد الصين، بينما كسبت الصين قضية واحدة فقط خلال تلك الفترة.
تكمن الحلول المناسبة لقيام المنظمة بدورها في تطوير حل النزاعات وتحديث قواعدها والعمل على تحديث الشفافية والعمل لإنهاء الحمائية والتشجيع على الحوار الجاد المفتوح بين الدول الأعضاء والعمل على اطلاق مبادرات جماعية والتكيف مع التحديات الجديدة ودعم الدول النامية وتشكيل إدارة خاصة بالأزمات وتعزيز الشمولية التجارية.
نقلا عن اليوم