تراتبية الفائدة والتضخم والنمو الاقتصادي

20/06/2024 0
عبد الحميد العمري

تراتبت المؤشرات الأساسية للاقتصاد الكلي الربع سنوية حتى نهاية الربع الأول 2024 على النحو التالي، بوقوف أسعار الفائدة عند أعلى من 6.2 %، ثم التضخم عند 1.7 %، ثم النمو الاقتصادي الكلي عند -1.7 % (نمو القطاع غير النفطي 3.1 %، نمو القطاع الخاص 3.4 %)، وبالنظر إلى مسار تلك المؤشرات طوال أكثر من عامين أي بنهاية الربع الأول من 2022، فقد انطلقت الفائدة صعودا من 1.4 %، فيما لم يطرأ تغييرا كبيرا على التضخم الذي كان بمقياسه الربع السنوي عند 1.6 %، وتباطأ النمو الاقتصادي الكلي من 7.5 % (نمو القطاع غير النفطي 4.3 %، نمو القطاع الخاص 4.4 %)، سيبدو أن التسارع صعودا الذي أظهرته أسعار الفائدة من مستوياتها المتدنية أول الفترة حتى نهايتها، قد خلف آثارا عكسية على معدلات النمو بالتباطؤ، على الرغم من أن التضخم ظل طوال أغلب الفترات الماضية تحت السيطرة، وسيبدو تحت السيطرة بصورة أكبر إذا ما تم استبعاد بند إيجار السكن كونه الدافع الأبرز للتضخم طوال تلك الفترة وما زال حتى أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء بنهاية مايو 2024.

وكما هو معلوم فإن تحديد أسعار الفائدة مرتبط بسياسة الارتباط بسعر الصرف الثابت بين الريال السعودي والدولار الأمريكي، التي أثبتت في الأجل الطويل نجاحها وفائدتها للاستقرار الاقتصادي المحلي، على الرغم مما قد يقلص من جدواها في بعض الفترات قصيرة الأجل، إلا أن المكاسب الأكبر والأطول أجلا تظل من أهم المستهدفات التي لا يمكن التخلي عنها بأي حال من الأحوال، والتأكيد على أن تصاعد إسهام القطاع غير النفطي وتنوع القاعدة الإنتاجية المحلية عاما بعد عام، ووصوله إلى مستهدفات رؤية السعودية 2030 سيعزز كثيرا من خيارات راسمي السياسة النقدية محليا، والاستقرار مستقبلا على خيارات مناسبة بصورة أكبر للهيكل الاقتصادي الأكثر تنوعا مما هو عليه خلال الفترة الراهنة.

العامل الأبرز الذي خفف من وطأة التراتبية الراهنة للفائدة والتضخم والنمو، تمثل في عوامل رئيسة عدة كان من أهمها السياسة المالية التحفيزية التي تبنتها السعودية حتى من قبل ارتفاع أسعار الفائدة (بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي 2.8 تريليون ريال خلال الفترة)، واقترانه بالمحافظة على مستهدفات الاستدامة المالية اللازمة والسيطرة على كل من العجز والدين العام، إضافة إلى الدور الرئيس الذي قاده صندوق الاستثمارات العامة، وتحوله الإستراتيجي الأهم نحو تركيز 80 % من استثماراته في الاقتصاد المحلي، وزيادة حجم وعدد شراكاته مع القطاع الخاص خلال تلك الفترة الوجيزة، ارتفع بالتزامن معه حجم الائتمان الخاص بـ27.8 % أي بأكثر من 565.1 مليار ريال، مضيفا الدعم والتحفيز المكمل لإنفاق كل من الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة، إضافة إلى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي بـ22.7 % خلال 2022-2023 (ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر بـ149.3 مليار ريال خلال تلك الفترة)،

وبأخذ المحصلة النهائية تقديريا لإجمالي ما تم إنفاقه خلال تلك الفترة، فإنها ستراوح بين 4.2 إلى 4.5 تريليون ريال كإجمالي سيولة تم ضخها في مختلف نشاطات الاقتصاد الكلي، كان لها الدور الأبرز في ترسيخ الاستقرار الاقتصادي المحلي، وتوفير التحفيز اللازم للمحافظة على نمو القطاع غير النفطي عموما والقطاع الخاص على وجه الخصوص، وأمام توقعات بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول مما كان متوقعا؛ تتأكد أهمية المحافظة على ذلك الزخم من الإنفاق وفق مستهدفات رؤية السعودية 2030، بما يكفل المحافظة على وتيرة النمو الاقتصادي المحلي، ودون إغفال التعامل مع أي تطورات عكسية، أو تحديات مستجدة قد تطرأ في منظور العامين المقبلين، وهو الأمر الذي أثبتت السياسات الاقتصادية المحلية حسن التعامل معها كما سبق أن حدث إبان أزمة كوفيد-19.  

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية