مشكلة الصناديق المغلقة المتداولة

24/03/2024 9
د. فهد الحويماني

 التطورات التي تشهدها السوق المالية السعودية مذهلة ومتسارعة، لذا فهي تحتاج منا إلى مراجعة مستمرة لما تم إنجازه بين الحين والآخر، ومحاولة إصلاح أي اختلالات وقصور في أداء ما يتم طرحه من أدوات مالية متنوعة. يوجد لدينا حاليا فقط صندوقان من النوع المغلق المتداول، وهي التي تعاني مشكلة تسعيرية حادة، أما الصناديق العقارية المغلقة فهي تختلف بسبب طبيعة مكوناتها العقارية ذات السيولة المحدودة. ما المشكلة بالضبط، وما الحل؟، عندما يكون الصندوق الاستثماري مغلقا ومتداولا فسينتج عن ذلك بالضرورة تفاوت بين سعر الصندوق في السوق والقيمة الحقيقية لأصوله، وهذه مشكلة كبيرة جدا لا توجد في صناديق المؤشرات المتداولة ولا في الصناديق الاستثمارية التقليدية، والسبب أن صناديق المؤشرات المتداولة مفتوحة، وهناك آلية خاصة بها تعمل بشكل جيد جدا لجعل سعر الصندوق في السوق مطابقا لسعر أصوله الحقيقية في جميع الأوقات. سهولة الحل في صناديق المؤشرات سببها أن مكونات الصندوق معروفة بشكل كامل لأنها صناديق تتبع مؤشرات معروفة، فتكون محتوياتها محددة ولها سوق فورية تسمح بإجراء عمليات بيع وشراء من قبل صناع السوق، ينتج عنها تطابق سعر الصندوق مع سعر السوق لأصول الصندوق.

كذلك الصناديق الاستثمارية التقليدية لا تعاني مشكلة الصناديق المغلقة المتداولة، لأن سعرها ينشر يوميا ويمكن إجراء عمليات الاشتراك والاسترداد منها بسهولة، ما يعني لو كان هناك أي تباين في سعر الصندوق المعلن عن السعر الحقيقي فسيختفي هذا التباين نتيجة عمليات الاشتراك والاسترداد، لأن هذه الصناديق مفتوحة وليست مغلقة، أما الصناديق المغلقة المتداولة، التي يوجد لدينا منها الآن اثنان فقط، فلا توجد طريقة لإزالة التباين في أسعارها، والذي يصل هذه الأيام إلى 25 % في واحد منها، أي إن سعر الصندوق في السوق أقل من السعر الحقيقي بهذا القدر، وهذه مشكلة غير مقبولة.  الحل الذي بادرت به إدارة الصندوق في هذه الحالة هو أن يتم شراء وحدات الصندوق من السوق لتقليص الفارق، وهذا بالفعل ساعد على تقليص الفارق سابقا، لكن الفارق عاد مرة أخرى، رغم شراء الصندوق لنحو 28 % من وحداته من السوق مباشرة!، من المهم الإشارة إلى أن هناك صناديق مغلقة لا يمكن معالجة التباين السعري فيها بسبب طبيعة الأصول التي تديرها، مثل الصناديق العقارية أو غيرها من الصناديق ذات الأصول غير المدرجة، أما الصناديق المغلقة التي تدير أسهم شركات مدرجة، كما هي الحال في صندوق الخبير للنمو والدخل كمثال حالي، وممكن أن يدرج كثير غيره لاحقا، فلا يوجد سبب لقبول التباين السعري الخاص بها.

الحل المتاح بالطبع هو أن يتم تحويل الصندوق إلى صندوق استثماري تقليدي، لكن هذه خطوة إلى الوراء، أما الحل السليم فيتم بتحويل الصندوق إلى صندوق مفتوح متداول ETF، كما هي الحال مع صناديق المؤشرات المتداولة لدينا، وفي هذه الحالة يتقلص التباين السعري بشكل كامل، فلا يحتاج الصندوق إلى خفض رأسماله كما قام به في الفترة الأخيرة. الطريقة هي أن يتحول الصندوق إلى ما يعرف بالصندوق المتداول النشط، وهذا النوع غير موجود لدينا إلا أنه بدأ في الانتشار في السنوات الأربع الماضية في الخارج، ووجد قبولا كبيرا في الأوساط الاستثمارية، لكن كيف يمكن للصندوق الإفصاح عن محتوياته على العلن بشفافية تامة يوميا؟ أليس في ذلك إفشاء لسرية عمل الصندوق ومهارته في اختيار الأسهم، ناهيك عن تعريض الصندوق لتلاعب المضاربين بل حتى تفادي الاشتراك في الصندوق، حيث سيستطيع أي مستثمر نسخ عمليات الصندوق بشكل يومي؟ الحلول باختصار تقع في أسلوبين، الأول صعب التطبيق ويحتاج إلى سوق متقدمة للقيام به، وهو أسلوب السلة البديلة، حيث يقوم الصندوق بالإفصاح اليومي عن محفظة شبيهة بمكوناته، بحيث يمكن لصناع السوق تقليص التباين السعري من خلالها، دون قيام الصندوق بإفشاء محتوياته. أما الحل الأسهل والأسرع للتطبيق لدينا فيتم من خلال أسلوب "الثقة العمياء"، بحيث يكون هناك طرف ثالث يعرف محتويات الصندوق بشكل كامل ويتصرف نيابة عن صناع السوق، وبذلك يتم تقليص الفارق السعري بشكل كامل، دون الإفصاح عن مكونات الصندوق، عدا لهذا الطرف الثالث الموثوق.

لا يتسع المكان لمزيد من الإيضاح، لكن الفكرة أن علينا معالجة مشكلة الصناديق المغلقة المتداولة، ذات المحتويات السائلة المدرجة، بحيث يتم تقليص التباين السعري المخل، ما يعود بالنفع على السوق المالية والمتداولين والصناديق ذاتها.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية