نظرات في تطور الصين الاقتصادي والصناعي خاصة

09/01/2024 2
د.صالح السلطان

تشبه جهات بحثية وإعلامية ما تمر به دول من تطور اقتصادي بـ"الصين الجديدة". ولكن لا ينبغي أخذ ذلك التشبيه على حذافيره. فهناك فروق كبيرة، ومن المهم الاستفادة من ذلك التطور بمعرفة كيف تطورت الصين، خاصة في القطاع الصناعي، وما تقييم هذا التطور، كانت الصين دولة فقيرة منعزلة على نفسها، قبل النصف الثاني من القرن الميلادي الماضي. ثم تغيرت الصورة تغيرا جوهريا مع مرور الأعوام. واتضح التغير أكثر فأكثر مع أواخر القرن الميلادي الماضي، انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001، ما أعطى اقتصادها مزيد فرص. انخفضت الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الصينية في شتى الدول، وساعد ذلك على انتشار هذه السلع عالميا. وهو انتشار جعل الصين توصف بأنها صارت ورشة العالم. والآن صارت الصين عالميا ثاني أكبر اقتصاد، وأكبر دولة مصدرة للسلع، كيف تغيرت الصورة خلال العقود الماضية؟ قاد تطور الصين سلسلة إصلاحات تعليمية وبحثية واقتصادية. وكان من نتائج تلك الإصلاحات فتح الطرق التجارية وقيام الاستثمارات الكبيرة، وبعضها جاء من الخارج، لم تمر الأمور بسهولة. حيث شهدت الصين أواسط القرن الماضي واحدة من أكبر الكوارث التي شهدتها البشرية في القرن الـ20. السبب أن حركة تصنيع الصين التي قادها الحزب الشيوعي الحاكم، هذه الحركة فيها عيوب كبيرة، تسببت في إضعاف بنية مجتمعية وضرب القطاعات خاصة الزراعة، ثم قامت إصلاحات منذ الثلث الآخر من القرن الماضي، نتج عنها تغييرات كبيرة في البنية السياسية الشيوعية، مقرونة بتغيرات في طريقة إدارة الاقتصاد الصيني. من الإصلاحات، السماح للمزارعين باستغلال أراضيهم الخاصة، ما ساعد على تحسين مستويات معيشتهم والتقليل من ظاهرة فقر الطعام في الصين.

من الإصلاحات فتح الأبواب للاستثمارات الأجنبية بعد أن أعيدت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة في 1979. وتدفقت الأموال الاستثمارية على الصين، خاصة مع كون تكاليف الإنتاج خاصة اليد العاملة رخيصة نسبيا. ومع التطورات خلال الأعوام الـ40 الماضية، انخفض الفقر بشدة وتسارعت مستويات التعليم. لكن هناك الجانب الآخر، هناك مشكلات وضعف، تسببت في تقليل فائدة الإصلاحات. على رأس الضعف بقاء مناطق ريفية مهملة دون تطوير، ووجود ضعف ملموس في مستويات مهارات القوى العاملة. وكانت مبادئ الحزب الشيوعي الحاكم سببا جوهريا في حصول الضعف. ولكن حصلت خلال العقود الأربعة الماضية تغييرات جوهرية في الحزب وفي إدارة الدولة، كيف تطورت الصين خاصة في قطاع الصناعات التحويلية خلال الأعوام الـ60 الماضية؟ كيف تطورت التقنية فيها؟

اتبعت الصين خلال العقود الستة الماضية ثلاثة سياسات رئيسة في تطورها:

السياسة الأولى اتباع ما يسمى الهندسة العكسية الناقلة لمهارات الغير. كيف؟ تشتري الصين منتجات متقدمة تقنيا حسب زمنها، ثم تكلف أصحاب المهارات المناسبة في الصين بدراسة هذه التقنيات بهدف تصنيع منتجات مثيلة. وقد برعت الصين في تقليد الصناعات حتى ارتبط اسم الصناعة الصينية بالتقليد. وهو تقليد للصناعات الغربية المتقدمة. طبقت الصين التقليد في صناعات كثيرة خاصة العسكرية وما يتطلب تطويرا تقنيا عاليا نسبيا، لم تكن الصين أول من اتبع منهج النقل من الغرب. اليابان سبقت الصين بعقود، وكانت سباقة في نقل التقنية من الغرب. ابتعثت اليابان طلابا منها للدراسة في الغرب، وكان من ضمن المطلوب منهم ما سمي تاريخيا بالتجسس العلمي التقني خاصة الصناعي، بهدف استنساخ ونقل التقنية، بدأت اليابان ثورتها الصناعية في أواخر القرن الـ19، عندما قرر قادتها اللحاق بالغرب. اللحاق عبر عدة طرق منها إرسال آلاف اليابانيين إلى الولايات المتحدة وأوروبا، ضمن خطة من أسسها نقل التقنية. كما تم توظيف آلاف الغربيين لتدريس العلوم الحديثة والرياضيات والتكنولوجيا واللغات الأجنبية في اليابان. والنتيجة تمكن اليابان من نقل واللحاق بركب التطور الصناعي الغربي بسرعة، ساعد اليابان ثم الصين على نقل التقنية الغربية أو ما تسميه الشركات الغربية بسرقة التقنية، تساهل قوي من الغرب في حماية الملكية الفكرية قبل بضعة عقود. والولايات المتحدة استخدمت المنهج نفسه بعد الثورة الصناعية في أوروبا، للحاق بهذه الثورة الصناعية. ثم تبع الاتحاد السوفياتي أمريكا لمجاراة تفوقها العسكري. ثم مارست الصين السلوك نفسه لتتطور تقنيا، سواء لأهداف تجارية أو عسكرية. ونشهد في الأعوام الأخيرة شركات غربية تقاضي شركات صينية بدعوى سرقة التقنيات عن طريق الهندسة العكسية.

السياسة الثانية التي اتبعتها الصين هي سياسة الاستحواذ على شركات تقنية مهمة، ومن ثم نقل تقنياتها إلى الصين بطرق وسياسات ومنشآت صينية مختلفة. ومن أشهر الأمثلة استحواذ شركة السيارات الصينية «جيلي» على الشركة السويدية الشهيرة «فولفو» قبل بضعة عشر عاما. والأمثلة كثيرة، وقد تبنت حديثا أمريكا ودول غربية أخرى سياسات تستهدف منع أو تقليل استحواذ الشركات الصينية على الشركات التقنية الأمريكية.

أما السياسة الثالثة، فهي الاهتمام أكثر بالبحث والتطوير. أعطت الشركات ومؤسسات البحوث داخل الصين مزيد اهتمام بصورة ملحوظة تجاه البحث والتطوير بهدف تطوير صناعاتها التقنية. وفي الأعوام الأخيرة، صارت الصين تنفق نحو 20 في المائة من الإنفاق العالمي على البحث والتطوير، نما الإنفاق الصيني على البحث والتطوير في الأعوام الأخيرة بنسبة أكبر من أمريكا بنحو ثلاث إلى أربع مرات. وتبعا هناك من يتوقع أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة في الأعوام المقبلة. وتبعا لارتفاع الإنفاق على البحث والتطوير وتحسينه، فقد زاد عدد الصينيين العاملين في مجال البحث والتطوير عدة مرات منذ بداية القرن الـ21، تمر الصين حاليا بحقبة من نمو اقتصادي متباطئ، مقرون بمشكلات فيما حققته من نمو. وطرحت بكين مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تعزيز الاقتصاد. موضوع طويل.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية