الاقتصاد الدائري للكربون: مسار للاستدامة

19/11/2023 0
أ. إيمان عبدالله أمان

تتمتع المملكة العربية السعودية بمكانة عالمية في صناعة البترول عالميًا، بإنتاج من البترول الخام يٌعد من بين أقل أنواع الكربون كثافة في العالم، حيث استثمرت مبكرًا بشكل كبير في دعم تقنية التقاط واستخدام الكربون، وتخزينه، وشجعت على الريادة في مشاريعه. وحرصت على أخذ زمام المبادرة نحو إيجاد الحلول الناجعة للقضايا العالمية الملحة، وبرز ذلك أثناء رئاستها لمجموعة العشرين في عام 2020م، حيث عملت على معالجة مواضيع التغير المناخي والاستدامة من خلال محور الحفاظ على كوكب الأرض، فأعلنت عن إطلاق مفهوم "الاقتصاد الدائري للكربون"، الذي تمت الموافقة عليه من قبل مجموعة العشرين كإطار متكامل وشامل لمعالجة التحديات المترتبة على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وإداراتها بشتى التقنيات المتاحة.  

يمثل نهج الاقتصاد الدائري للكربون، توجه اقتصادي حديث ومبتكر لإدارة الانبعاثات وذلك من خلال إطار عمل الركائز الأربع للاقتصاد الدائري للكربون وهي: التخفيض، إعادة الاستخدام، التدوير، والإزالة، وتتناغم هذه الركائز مع رؤية المملكة 2030، وتدعم جهود تحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، كما أن نهج الاقتصاد الدائري للكربون هو نهج شمولي ومتوازن يستهدف الانبعاثات بدلًا من استهداف الطاقة، يشجع على استخدام جميع الخيارات الممكنة لمصادر الطاقة من غير تحيز، ويقر بتعدد المسارات والاستراتيجيات الوطنية لتخفيض وإزالة الانبعاثات، وذلك وفقًا للظروف الوطنية والإمكانات لكل دولة، وفي ذات الوقت يعمل على التقليل من آثار تبعات التغيرات المناخية. 

ومن الأمثلة البارزة  على استخدام الاقتصاد الدائري للكربون في الاقتصاد، اعلان المملكة في شهر نوفمبر عام 2022م، عن إنشائها لأكبر مركز لالتقاط الكربون و تخزينه، و الذي يُعد الأكبر من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، و سيعمل على التقاط (9) ملايين طن متري من ثاني أكسيد الكربون و يخزنها سنويًا في المرحلة الأولى من المشروع، الذي سيبدأ تشغيله في عام 2027م، ليدعم تطلعات المملكة لالتقاط (44) مليون طن متري من ثاني أُكسيد الكربون و تخزينه سنويًا بحلول عام 2035م، فضلًا عن دعم هذا المركز لمشاريع الهيدروجين النظيف و الأمونيا النظيفة. 

يساهم الاقتصاد الدائري للكربون في دعم أهداف التنمية المستدامة 2030 من خلال:  تعزيز الجهود العالمية الرامية لتوفير حلول عملية وميسورة التكلفة وموثوقة إلى الطاقة تضمن معها اجتثاث الفقر، حيث وفقا لبعض التقارير الدولية ما يزال هناك ما يقرب من 800 مليون شخص حول العالم ليس لديهم كهرباء، ونحو 2.6 مليار إنسان، لا يحصلون على وقود الطهي النظيف ويعتمدون على الطاقة البدائية من حرق الحطب وفضلات المزارع والحيوانات لأغراض الطهي، إذ لا تتوفر لديهم سُبل البقاء في ظل افتقارهم إلى الطاقة الكافية التي توفر لهم الخدمات الحديثة في منازلهم والازدهار في أعمالهم.  كما تساهم وسائل وطرق الطهي البدائية، في وفاة قرابة اربعة ملايين نسمة معظمهم من النساء والأطفال، جراء استنشاق الهواء الملوث.  

وفي إشادة دولية بجهود المملكة في معالجة تحديات التغيرات المناخية، حققت المملكة تقدُمًا بعشرة مراكز في مؤشر المستقبل الأخضر لعام 2022م -التابع للمجلة العلمية(MIT Technology Review) - مقارنة بمركزها في عام 2021م. و قد جاء هذا  التقدم تتويجًا لجهودها في ريادة العمل المُناخي من خلال مبادراتها غير المسبوقة في السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، فضلًا عن إعلانها عن طموحها للوصول للحياد الصفري في عام 2060م، من خلال تنفيذ نهج الاقتصاد الدائري للكربون للانتقال نحو أنظمة طاقة أكثر شمولًا ومرونة واستدامة.

المقالة منشورة في النشرة الفصلية التي تصدرها جمعية الاقتصاد السعودية عدد ربيع أول 1445 / سبتمبر 2023م

 

 

 

خاص_الفابيتا