تحفيز السياسة المالية وصندوق الاستثمارات

09/08/2023 0
عبد الحميد العمري

حينما يصعد معدل الفائدة إلى أعلى من معدل النمو الحقيقي للنشاط الاقتصادي، وأعلى أيضا من معدل التضخم، وتبقى تلك التراتبية لمعدلات الفائدة والنمو والتضخم فترة أطول من عام إلى عامين، فلا شك أنه سيترتب عليها عديد من التحديات، التي قد تزداد في حالة ارتباط السياسة النقدية محليا بالسياسة النقدية للعملة المرتبط بها، كالدولار الأمريكي، وتزداد أيضا كلما طال أمد تلك التراتبية لأكثر من عامين، التي ستتولى السياسة المالية مقابلها أدوارا رئيسة، من أهم وأبرز أهدافها تخفيف عبء التحديات متوسطة وطويلة الأجل، المترتبة على صعود معدل الفائدة إلى مستويات تتجاوز معدل نمو نشاطات الاقتصاد بالدرجة الأولى، فتضخ بدورها السيولة اللازمة في الاقتصاد، والمساهمة في تمويل المشاريع التنموية بالشراكة مع القطاع الخاص، إضافة إلى الأدوار المهمة جدا للصناديق التنموية الحكومية، التي يأتي في مقدمتها بكل تأكيد صندوق الاستثمارات العامة، بما يسهم به خلال الفترة الراهنة من خلال الاستثمارات العملاقة والرائدة التي دأب على تدشينها في الاقتصاد المحلي دون توقف، سواء منفردا أو بالشراكة مع القطاع الخاص.

خلال الأوضاع الراهنة غير المواتية في أغلب أنحائها، التي يشهدها الاقتصاد العالمي تحت عنوانها الرئيس، المتمثل في كبح جماح التضخم الأعلى خلال أكثر من أربعة عقود زمنية مضت، وفي ظل تضاؤل الخيارات أمام أغلب الاقتصادات المتقدمة، وانسدادها إلى حد بعيد لدى أغلب اقتصادات الأسواق الناشئة، وكلا الفريقين "الاقتصادات المتقدمة، الناشئة" يشترك في ارتفاع كتلة الديون على كواهل اقتصاداتها، وبلوغها أعلى المستويات في تاريخها، تنفرد دول قليلة جدا وسط هذه العتمة الاقتصادية العالمية بخيارات واسعة، ومزايا اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى بالغة الأهمية، يأتي في مقدمتها -بحمد الله- المملكة ودول مجلس التعاون، امتازت بالاستقرار المالي الكبير، وتدني عجزها المالي -إن لم يكن فائضا- إضافة إلى تدني نسب ديونها الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي، مدعومة بارتفاع احتياطياتها ومتانة ماليتها العامة، إضافة إلى ما تحتله من وزن كبير في ميزان الطاقة العالمية، وتوافر كثير من مؤشرات الاستقرار والجاذبية الاقتصادية والاستثمارية، خاصة في المملكة، ما يدفع في مجموعه هذه الكتلة الاقتصادية المهمة بقيادة المملكة في ميزان الاقتصاد العالمي، نحو آفاق واعدة جدا، وبما يمكنها من تجاوز أي من التحديات مهما بلغت جسامتها، التي تخيم خلال الفترة الراهنة على أغلب الدول والاقتصادات حول العالم، بل تدفعها لتحتل صدارة الدول الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية في ظل ضبابية كثير من الأسواق العالمية.

يسهم الآن كل من السياسة المالية وصندوق الاستثمارات العامة بضخ مزيد من الاستثمارات في الاقتصاد المحلي، حيث سجل الإنفاق الرأسمالي للمالية العامة خلال النصف الأول من العام الجاري نموا سنويا 36.6 في المائة، بلغ معه 69.5 مليار ريال خلال الفترة كأعلى حجم إنفاق رأسمالي خلال النصف الأول من العام المالي منذ 2019. أما بالنسبة لصندوق الاستثمارات العامة، فقد أسس خلال أقل من عام مضى 25 شركة جديدة محليا، بحجم استثمارات ناهز 120 مليار ريال تم ضخها محليا في قطاعات استراتيجية عديدة، ارتفعت على أثره حصة الاستثمارات المحلية العائدة للصندوق إلى نحو 1.72 تريليون ريال (77.01 في المائة من إجمالي الاستثمارات المحلية والعالمية للصندوق).

تشكل تلك المبادرات والتدفقات الاستثمارية الكبرى محليا، دافعا ومحفزا قويا للاقتصاد الوطني، وللقطاع الخاص على وجه الخصوص، التي يؤمل بتوفيق من الله أن تدفع بالنمو الاقتصادي للمحافظة على مستوياته الإيجابية، وأن يسهم النمو المطرد للقطاع غير النفطي في توسع مساهمته في الناتج المحلي، وتنويع قاعدة الإنتاج المحلية، إضافة إلى تفوق وتحقق الأولوية التنموية المتمثلة في توفير عشرات الآلاف من الوظائف المجدية أمام الموارد البشرية المواطنة، والاستمرار في وتيرة خفض معدل البطالة إلى أدنى من 7.0 في المائة خلال أقل من عامين مقبلين، رغم الأوضاع غير المواتية والتحديات الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد العالمي خلال الفترة الراهنة، والمتوقع أن تتعمق صعوباتها خلال العامين المقبلين على أقل تقدير، تحت السياسات المتشددة التي تنتهجها البنوك المركزية حول العالم كبحا للتضخم، والتأكيد على ما يتمتع به اقتصادنا الوطني واقتصادات دول مجلس التعاون من امتيازات وخيارات ممتازة، وشبه معدومة لدى أغلب الاقتصادات في مختلف أنحاء العالم.

أثبتت التجارب السابقة التي خاضها اقتصادنا الوطني مع الأزمات التي مرت بالاقتصاد العالمي، أنه لطالما خرج منها أقوى مما كان عليه قبل حدوثها بفترات زمنية متوسطة الأجل، كما أثبتت أيضا صلابته في مواجهتها، وما الأزمتان المالية العالمية 2008، وكوفيد - 19، عنا ببعيد.

وكما سبق التأكيد عليه في مجالات سابقة، فإن اقتصادنا الوطني يبرز وسط هذه التوقعات للاقتصاد العالمي غير المواتية كأحد أهم وأسرع الاقتصادات نموا وأكثرها استقرارا، ثم بفضل السياسات والبرامج والمبادرات العملاقة التي أوجدتها رؤية المملكة الاستراتيجية 2030، والتزمت بها طوال الأعوام الماضية، كان من ثمارها ونتائجها الإيجابية ما حظيت به خلال الفترة الراهنة من استقرار وطيد، وقدرة عالية على التكيف والتعامل مع المتغيرات الدولية غير المستقرة، بل أصبحت الشريك الاقتصادي والاستثماري والتجاري الذي يبحث عنه أغلب الاقتصادات حول العالم، وكل هذا يبعث على مزيد من الثقة بالاقتصاد الوطني، وبقدرته على مواصلة مسيرته الطموحة المتحفزة لمزيد من تحقيق مستهدفات رؤيته الاستراتيجية 2030.

 

 

نقلا عن الاقتصادية