أيضا .. مواءمة سوق العمل مع مخرجات التعليم

24/07/2023 1
عبد الحميد العمري

أثبت أحدث نشرة لسوق العمل المحلية خلال الربع الأول من العام الجاري، أن العبارة السائدة التي طالما انتشرت وتم تكرارها مرارا عبر مختلف وسائل الإعلام القائلة "مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات العمل"، أنها ليست دائما على جانب الصواب دائما! بل قد تقتضي الحاجة بدرجة أكبر إلى "مواءمة سوق العمل مع مخرجات التعليم"، بما يعني أن سوق العمل المحلية وفقا لما تحتضنه من منشآت أعمال مختلفة النشاطات، قد تعاني انخفاض كفاءتها من حيث الوظائف على عدة مستويات، سواء على مستوى الشهادات العلمية أو على مستوى التخصصات العلمية اللازمة، وهو الأمر الذي طالما تركز الحديث عنه طوال أكثر من ثلاثة عقود زمنية مضت، دفعت أغلب منشآت القطاع الخاص إلى الاعتماد بدرجة أكبر على خدمات العمالة الوافدة، واعتمادها بأكثر من 90 في المائة ضمن هذا السياق على العمالة الوافدة الأدنى تأهيلا علميا والأدنى تكلفة، ما أضعف بدوره من تنويع قاعدة الإنتاج المحلية وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، والتأكيد أنها بدأت تشق طريقها للتصاعد مع بداية تنفيذ مبادرات وبرامج رؤية المملكة 2030، ويراد أن تتسارع تلك الوتيرة من التنوع وزيادة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي في الفترة الراهنة ومستقبلا، وصولا إلى تحقيق المستهدفات النهائية لرؤية المملكة، وبما يلبي احتياجات ومتطلبات الاقتصاد الوطني والمجتمع، كما سيأتي ذكره الآن.

تضمنت أحدث نشرة عن سوق العمل المحلية للربع الأول من العام الجاري، تفاصيل بالغة الأهمية حول معدل البطالة، حسب كل من المستوى التعليمي وتخصصات الحاصلين على الدبلوم العالي، فوفقا لمعدل البطالة حسب المستوى التعليمي، حل حملة شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها في المرتبة الأعلى معدل بطالة بـ10.8 في المائة، ويعزى ذلك إلى ارتفاع العاطلات من الإناث الحاملات لشهادة البكالوريوس إلى 19.4 في المائة، مقارنة بمعدل بطالة لا يتجاوز 3.8 في المائة لدى الذكور الحاملين للشهادة نفسها، وبالنسبة إلى الذكور فقد حل حملة الدبلوم المتوسط كأعلى معدل بطالة بينهم بأعلى من 4.9 في المائة، ثم حملة الشهادة الثانوية بأكثر من 5.4 في المائة، ثم حملة الدبلوم المشارك بمعدل مقارب 5.4 في المائة. أما بالنسبة إلى معدل البطالة لدى الإناث حسب المستوى التعليمي، فقد حل حاملات الشهادة الثانوية في المرتبة الثانية بعد حاملات الشهادة البكالوريوس بمعدل بطالة 15.8 في المائة، ثم حاملات الدبلوم المشارك بمعدل بطالة 15.7 في المائة، وتلاهن حاملات الدبلوم المتوسط بمعدل بطالة 14.9 في المائة. وبالنسبة إلى معدل البطالة حساب تخصصات الحاصلين على الدبلوم العالي، فقد جاء أعلى معدل بطالة للإجمالي ضمن هذا التبويب لدى تخصص "العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء" بمعدل 13.58 في المائة، تشكل في أغلبه من الإناث اللواتي بلغ معدل البطالة لديهن في هذا التخصص 20.4 في المائة، مقارنة بمثيله لدى الذكور بما لا يتجاوز 5.1 في المائة. وجاء في المرتبة الثانية بنسبة مقاربة تخصص "الفنون والعلوم الإنسانية" بمعدل بطالة يبلغ 13.57 في المائة، مدفوعا أيضا من ارتفاع معدل البطالة في التخصص ذاته لدى الإناث بنحو 20.8 في المائة، مقارنة بما لا يتجاوز 3.4 في المائة كمعدل بطالة للتخصص نفسه لدى الذكور. في المرتبة الثالثة حل تخصص "تقنية الاتصالات والمعلومات" بمعدل بطالة تجاوز 10.7 في المائة، وهو التخصص الذي جاء مدفوعا من الجنسين الذكور والإناث على حد سواء، حيث بلغ معدل البطالة لدى الإناث في هذا التخصص 20.3 في المائة، وبلغ لدى الذكور 6.9 في المائة كأعلى معدل بطالة لدى الذكور، حسب تخصصات الحاصلين على الدبلوم العالي.

وفقا لما سبق، يميل معدل البطالة إلى الارتفاع كلما ارتفع المستوى التعليمي، وهو ما أكدته بيانات نشرة سوق العمل الأخيرة خلال الربع الأول من العام الجاري، وتأكده بدرجة أكبر لدى الإناث باحتلال حاملات شهادة البكالوريوس أو ما يعادلها للمرتبة الأولى كأعلى معدل بطالة، حسب المستويات التعليمية لديهن، بـ19.4 في المائة. أما على مستوى البطالة، حسب تخصصات الحاصلين على الدبلوم العالي فقط، هي أيضا لافتة بانفراد معدل البطالة في تخصص "العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء" بالمرتبة الأولى مقارنة ببقية التخصصات بمعدل 13.58 في المائة، رغم ما يمثله هذا التخصص من أهمية عالية للتوجهات الراهنة للاقتصاد الوطني، تستهدف رفع كفاءته الإنتاجية وزيادة تنوعها، الذي يقتضي مزيدا من تحفيز منشآت القطاع الخاص على هذا الطريق، وبما لا يقلص من تدفق الموارد البشرية المواطنة نحو هذا التخصص المهم جدا لأي اقتصاد يستهدف فعليا النهوض بمقدراته، وزيادة تنوع قاعدته الإنتاجية، إضافة إلى رفع مساهمة القطاعات الإنتاجية خلاف النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. وجاء في المرتبة الثانية بنسبة مقاربة جدا تخصص "الفنون والعلوم الإنسانية" بمعدل بطالة يبلغ 13.57 في المائة، الذي تختلف معالجته عما سبق ذكره بالنسبة إلى تخصص "العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء"، فقد يكون من الأمثل هنا أن تتم إعادة توجيه الموارد البشرية إلى تخصصات أخرى أكثر أهمية للاقتصاد الوطني، وهو ما يقتضي بدوره أن يتم تفعيل مزيد من المبادرات والبرامج الخاصة بزيادة توطين الوظائف، للنهوض بمعدلات التوطين في التخصصات المهمة لتنوع قاعدة الإنتاج المحلية وزيادة مساهمتها، كتخصص "العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء"، أو لتخصص "تقنية الاتصالات والمعلومات" الذي حل في المرتبة الثالثة، كأعلى معدل بطالة حسب التخصص الدراسي لحملة الدبلوم العالي بأكثر من 10.7 في المائة.

هل القطاع الخاص يعاني فقط تباطؤ قدرته الداخلية على الوفاء بعديد من متطلبات زيادة مساهمته وتنوعها؟ بالتأكيد أن الإجابة "لا"، فهناك عديد من التحديات الخارجية أمامه، التي تقتضي هي أيضا مزيدا من تذليلها أمام منشآت القطاع، وهو ما سيأتي الحديث عنه في المقال التالي بمشيئة الله تعالى.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية