الإضراب الأكبر في تاريخ هوليوود

18/07/2023 0
د. عبدالله الردادي

إذا كنت من متابعي المسلسلات والأفلام، فلتستعد للكثير من التأخير عن عرض أعمالك المفضلة، فقد بدأ الخميس الماضي أحد أكبر الإضرابات في تاريخ هوليوود التي تم تشهد مثل هذا الإضراب منذ أكثر من 60 سنة بخروج آلاف من الممثلين والكتاب البارزين خارج أستوديوهات السينما والتلفزيون. ويعد هذا الإضراب تاريخيا، حيث لم تدخل نقابة ممثلي الشاشة في إضراب مثل هذا منذ أكثر من 43 سنة، أما آخر إضراب مشترك بين الممثلين والكتاب فكان في عام 1960، الطريف أن رئيس النقابة حينها كان الرئيس الأميركي الأسبق (رونالد ريغان). فما هي أسباب هذا الإضراب؟ وما هي نقاط الاختلاف بين أطرافه؟ وكيف ستمتد آثاره إلى أبعد من الأفلام والمسلسلات.

لقد شهدت هوليوود تغيرات وصدمات كثيرة خلال الأعوام الماضية، فهي للتو بدأت تنتعش بعد الجائحة، ولكن هذه العودة صاحبتها حيثيات جديدة نمت بسرعة مدهشة لم تمكن مجتمع هوليوود من التكيف معها. أولى هذه التغيرات هي زيادة خدمات البث عبر الإنترنت، والتي صعبت على أستوديوهات الإنتاج كسب الأرباح كما هو معتاد، فالأرباح الآن لا تأتي من عدد المشاهدين الذين يحضرون قاعات السينما فحسب، بل تأتي من المتابعة عبر الشبكة، وهو أمر جعل احتساب نسبة امتيازات الممثلين أمرا في غاية الصعوبة، وغالبا ما يشعر الممثلون بغياب الشفافية في احتساب هذه النسبة. وقد عانت الأستوديوهات من خفض وتحويل التكاليف لأعمال التلفزيون بسبب هذه التغيرات، ويبدو أن هذه المعاناة انتقلت للممثلين والكتّاب الآن.

الاختلاف الثاني حول الخروج بقواعد أساسية لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، هذه الأدوات تطورت بسرعة مذهلة في السنوات الأخيرة على نحو لم يتوقعه الممثلون والكتاب. مثال على ذلك مقترح قدم لأحد الأستوديوهات، وهو أن يعمل الممثلون ليوم واحد فقط، تؤخذ فيه صور لهم، ومسوحات تصويرية، ومقاطع صوتية، يمكن بعدها لبرمجيات الذكاء الاصطناعي توليد مشاهد غير منتهية تكفي لإنتاج الفيلم، ويدفع مقابلها للممثل مقابل يوم عمل واحد! هذا الأمر لا يمكن أن يكون مقبولا للممثلين الذين يرون أنهم يُستبدلون بشكل واضح لا جدال فيه، بل إن صورهم وأشكالهم الرقمية من الممكن أن تستخدم لأفلام مستقبلية دون أي مقابل. وليس الكتّاب عن هذا الاستبدال ببعيد، فالعديد من النصوص الفنية أصبحت تنتج بأدوات الذكاء الاصطناعي دون الرجوع إلى الكتّاب إلا في مراحل معدودة مثل تكييف هذه النصوص ومراجعتها. ولم يسلم الممثلون الصوتيون عن هذا الاستبدال حيث استبدلت برمجيات ذكاء اصطناعي ببعضهم بالفعل. والخلاف بذلك يكون على جانب مادي، وجانب آخر حول مستقبل هذه الصناعة.

ما أجج نار الإضرابات كان تصريح الرئيس التنفيذي لشركة (ديزني) (بوب إيغر) أن هذا التوقيت هو الأسوأ على الإطلاق بالنظر إلى تعافي الصناعة بعد الجائحة، وأضاف أن البعض لديه توقعات غير واقعية. ولكن المضربين يدركون أن مكافأة (إيغر) السنوية ارتفعت خمس مرات بعد تمديد ولايته لعامين إضافيين، وسخر المضربون منه بقولهم إن راتب (إيغر) غير واقعي. هذا التوقيت كان مزعجا كذلك لملّاك السينما الذين كانوا يأملون في أن يكون صيفهم حافلا لأول مرة منذ بداية الجائحة، بوجود أفلام مثل (باربي) و(أوبنهايمر) والتي كان من المتوقع عرضها هذا الشهر، وقد صرحت شركة (يونيفيرسال) الموزعة لفيلم (أوبنهايمر) أن العرض الأول للفيلم في نيويورك قد ألغي.

إن المتابعين للمسلسلات يتذكرون الإضراب الذي استمر لأكثر من 3 أشهر في عام 2007، والذي توقفت أثناءه مسلسلات كثيرة بعضها أوقف بشكل كامل، وكلف الإضراب اقتصاد كاليفورنيا حينها نحو ملياري دولار، مع أنه لم يُوقف الإنتاج على نطاق واسع كما فعل الإضراب الحالي، لا سيما أن عدد الممثلين الذين توقفوا عن التمثيل الآن يقارب 160 ألف ممثل، بينما زاد عدد الكتاب والمساعدين لهم على 11 ألفا. هذا الأمر لن يؤثر على محبي الأفلام والمسلسلات فحسب، بل سيمتد إلى أسعار أسهم الشركات المرتبطة بهذا القطاع سواء كانت أستوديوهات أو شركات البث عبر الإنترنت. وقد تزيد تكلفته الاقتصادية للصناعة التي تبلغ فيمتها 134 مليار دولار على 3 مليارات دولار، قد تزيد بحسب المستجدات في الأيام القادمة.

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط