مسؤولية الجميع تجاه رؤية المملكة 2030

06/07/2023 3
عبد الحميد العمري

في عالم السياسات الاقتصادية يحظى بالأولوية المطلقة تحقيق المحافظة على النمو الاقتصادي القوي والمستدام، وانضباط المالية العامة دون عجز مالي كبير يؤدي إلى ارتفاع الدين العام، واستقرار الأسعار "التضخم" دون المستويات المقبولة، ومعدل بطالة متدن، إضافة إلى عدم اختلال توازن التبادل التجاري مع بقية الدول، بما لا يؤدي إلى ارتفاع العجز في ميزان المدفوعات بأكثر مما يحتمل، مستهدفات أثبت الواقع أن اجتماعها على أرض الواقع مستبعد، وأنه يميل إلى المثالية أكثر من الواقعية، إلا أنه يظل "الشاشة المعيارية" التي تنبئ واضعي السياسات الاقتصادية عن نجاح عملهم أو فشله، وبناء على نتائجها الدورية يتم تصحيح العمل إذا تطلب الأمر ذلك، أو تمسكا بتلك السياسات التي أثبتت جدواها في ظل التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي دون توقف! هذا يعني الانتقال إلى فكرة العمل السلس والمرن الواجب أن تتحلى به السياسات الكلية، والنظرة الشمولية والديناميكية التي لا بد أن يتمتع بها فريق عمل واضعي تلك السياسات أمام تغيرات ومفاجآت الاقتصادات والأسواق، أي أن ما قد يكون مجديا العمل به في فترة من الفترات الزمنية قياسا على متغيراتها وتطوراتها المرحلية، قد لا يكون بالجدوى ذاتها في فترات زمنية أخرى تختلف كثيرا ظروفها وأوضاعها، بل قد يحمل جمود تلك السياسات عند مربعها الأول الذي ولدت أثناءه، وعدم الأخذ في الحسبان المستجدات التي طرأت على الواقع الراهن، تؤكد التجارب الاقتصادية أن ذلك الجمود قد يتسبب في وقوع أضرار كان بالإمكان تجنبها لو حظي تفكير وعمل واضعي السياسات بدرجة كافية من الفطنة والمرونة والنظرة الشمولية والديناميكية اللازمة.

ليس هناك أسهل من التنظير أثناء الحديث في مثل هذا المجال الاقتصادي بالغ التعقيد، في الوقت ذاته لا يوجد أصعب من ممارسة العمل في مختلف مجالاته على أرض الواقع. من هنا تأتي الأهمية القصوى لبقاء النافذة مفتوحة باستمرار للتفكير المشترك والحوار المستمر بين مختلف الأطراف المختصين في هذا المجال، الذي لا شك أنه كما سيحمل كثيرا من اختلاف وجهات النظر، بل تغيرها من فترة إلى أخرى من أصحاب وجهات النظر تلك أنفسهم، إلا أنه أيضا سيحمل بالقدر نفسه أو أكثر رؤى جديدة من جميع الأطراف، ويضيف إثراء زاخرا بالأفكار والتجارب الملهمة إلى الرصيد المعرفي للجميع، وفي نهاية الأمر، سيبقى الرأي السديد، والأفكار الحصيفة والمتزنة، التي ستصب إيجابيات حصيلتها النهائية في المصلحة العامة بكل تأكيد، وهذه مكاسب بالغة الأهمية ستحظى كثيرا بالقبول العام وبما لا يقارن مع ما قد تجده من اعتراض أو عدم قبول في نطاق ضيق جدا.

يأتي هذا الحديث في الوقت الذي يشهد الاقتصاد الوطني أعظم وأكبر حراك تنموي لم يشهده من قبل، بل يندر أن تمت مشاهدة تجربته العملاقة في أي اقتصاد آخر خلال العقود الماضية والمعاصرة، ولعل من أهم ما حملته المبادرات والبرامج العملاقة لرؤية المملكة 2030 حتى من قبل إعلانها، أنها انتهجت هذه الاستراتيجية المهمة في التقاط جميع الآراء والأفكار، والاهتمام بها ودراستها بتأن ودقة، واستمرت في هذا الطريق حتى تاريخه، ولا تزال تنتهج هذه الاستراتيجية الرائعة حتى اليوم الأخير من عمر هذه الرؤية الملهمة والمباركة، ما عزز بدوره من قوتها وسرعة ترجمتها على أرض الواقع فترة بعد فترة، وهو الأمر الذي يشاهده المتابع والمراقب من خلال المنتديات والمؤتمرات التي زاد زخمها طوال الأعوام القليلة الماضية، ووجده أيضا في الطروحات الثرية عبر مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، انعكست آثاره الإيجابية على أغلبية كثير من النجاحات القياسية التي تحققت لأغلبية تلك المبادرات والبرامج، بل تحققت نتائج بعضها حتى قبل نهاية عمر المشروع التنموي العملاق ممثلا في رؤية المملكة 2030.

والتأكيد أيضا على أهمية إنجاح بقية الجهود اللازمة لتحقق مستهدفات الرؤية المباركة، وصولا إلى عامها الأخير وفقا لما تم التخطيط له بعناية قصوى، وهذا يعني مزيدا من أهمية تحمل الأطراف كافة المسؤوليات الملقاة على كاهل كل طرف، وأن النجاحات التي تحققت وستتحقق -بإذن الله تعالى- ستعود إلى الإنسان السعودي الذي استهدفته رؤية 2030 كأهم وأول طرف، وأنه الطرف الأول دون غيره الذي راهنت عليه لنجاح المشروع التنموي العملاق للرؤية. كل هذا يدفع إلى بذل مزيد من الجهود من الجميع، وأن تستمر الكفاءة والعناية اللازمة من قبلهم في أي عمل يتم القيام به، وأن الكاسب الأكبر من كل هذه الجهود الخيرة هو الإنسان والمجتمع على هذه الأرض المباركة، بقيادة ودعم مباشرين من لدن خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين -حفظهما الله-، والذهاب إلى أبعد من كل ما سبقت الإشارة اليه، بأهمية المحافظة على المكاسب العظيمة التي تحققت للاقتصاد الوطني، وبذل الجهود القصوى لتعزيزها وتوطيدها وحمايتها، والحرص بدرجة كبيرة على عدم إهدار ما سبق من جهود بذلت، وموارد هائلة تم تسخيرها لأجل واقعنا المزدهر اليوم، والمأمول الذهاب به إلى أعلى مما وصل إليه بفضل من الله وتوفيقه، ثم بدعم سخي من القيادة الرشيدة -أيدها الله-.

 

 

نقلا عن الاقتصادية