قراءة محاسبية لنظام المعاملات المدنية

25/06/2023 0
د. محمد آل عباس

صدر نظام المعاملات المدنية وهو أحد الأنظمة الأربعة التي سبق وأعلنها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وقد أشار في التصريح الخاص بمناسبة صدور النظام إلى أنه قد أخذ وقتا أطول في الدراسة حرصا من القيادة على ضمان الحقوق والأحكام الناجزة، قد جاء النظام في 721 مادة تم توزيعها على عدة أبواب وفصول وفروع، وهذا النظام يرسم حدود العلاقات بين المدنيين الذي يعيشون على أرض المملكة، ولأن الحقوق قائمة على المشاحة فإن هذا النظام يقدم تحديدا واضحا للحق، وهذه المسألة مهمة في المحاسبة، ذلك أن الإثبات في المحاسبة قائم على تحديد الحق أيضا، ورغم أن نظام المعاملات المدنية لم يعرف الحق، لكنه في المادة (25) قسم الحق المالي إلى نوعين: شخصي وعيني، وفي المادة (26) فصل الحق العيني إلى أصلي وتبعي، والحقوق العينية الأصلية هي حق الانتفاع، وحق الاستعمال، وحق السكن، وحق الارتفاق، وحق الوقف، كما وصفت المادة الحقوق العينية بالتبعية بأنها حق الرهن وحق الامتياز، ثم أجملت المادة ما بقي من الحقوق بإلحاقها بالنصوص النظامية الأخرى، فمثلا المادة (8) من نظام حماية حقوق المؤلف أشارت نصا إلى الحقوق الأدبية، وأن الحقوق الأدبية حقوق أبدية للمؤلف، ولا تقبل التنازل، ولا تسقط بالتقادم وتؤول إلى الوزارة في حال وفاة صاحب الحق دون وارث له. فلمثل هذه الحالات التي لا يسع نظام المعاملات المدنية حصرها فإنه قد أحالها إلى أنظمتها ذات الصلة.

في مقابل هذه النصوص القانونية تأتي نصوص الإطار الفكري للتقارير المالية الصادرة عن مجلس معايير المحاسبة الدولي IASB، في 2018، لتصف الحقوق في الإطار المحاسبي بأنها الحقوق التي يمكن أن تنتج منافع اقتصادية ومنها (أ) الحقوق التي تتوافق مع التزام طرف آخر على سبيل المثال: حقوق استلام النقد، الحق في استلام البضائع أو الخدمات، وكذلك حقوق تبادل الموارد الاقتصادية مع طرف آخر بشروط ميسرة، وتتضمن هذه الحقوق، على سبيل المثال عقدا آجلا لشراء مورد اقتصادي بشروط مواتية حاليا أو خيار شراء مورد اقتصادي وكذلك الحق في الاستفادة من التزام طرف آخر بتحويل مورد اقتصادي في حال وقوع حدث مستقبلي غير مؤكد. (ب) الحقوق التي لا تتوافق مع التزام طرف آخر، على سبيل المثال: الحقوق على الأشياء المادية، مثل الممتلكات والمنشآت والمعدات أو المخزون، ومنها أيضا حقوق استخدام الملكية الفكرية.

يمكن للمحاسب التأمل في النصين جيدا، فرغم عدم نص نظام المعاملات المدنية على مسألة قدرة الحق على إنتاج منافع اقتصادية، فإن مضمون الحق العيني في نظام المعاملات لا ينفك عن وجود منافع اقتصادية، كما أن نصوص الإطار المحاسبي جاءت شمولية ومطاطة نوعا ما، فهي قد دمجت الحق العيني مع الحق الشخصي في النص، الحقوق التي لا تتوافق مع التزام طرف آخر، هي المرادفة للحق العيني المنصوص عليها في نظام المعاملات المدنية، بينما الحقوق التي تتوافق مع التزام طرف آخر قد أشار إليها النظام في شكل الحق الشخصي ففي القسم الأول وهو الالتزامات بوصفها حقوقا شخصية، ومناط هذه الحقوق هو العقود، فلا يمكن أن يظهر الحق الشخصي إلا من خلال العقد، لذلك فصل القسم الأول في مسائل العقد، ومسألة الإيجاب والقبول والتعبير عن الإرادة، وفصلت المواد في مسألة الوعد وكيف يصبح حقا، في مقابل ذلك أقر الإطار الفكري المحاسبي بأنه يتم إنشاء عديد من الحقوق عن طريق العقد أو التشريع أو وسائل مماثلة، ويمكن للمنشأة أن تحصل على حقوق بطرق أخرى، مثل اكتساب أو إنشاء الدراية الفنية know-how، هذه الإشارة في الإطار الفكري لمثل هذا النوع من الحقوق قد أشارت له المادة (27) من النظام حيث تسرى الحقوق التي ترد على شيء غير مادي النصوص النظامية الخاصة بها.

من الجدير بالذكر أيضا في مسألة الحق عند المحاسبين أن المورد الاقتصادي يعرف بأنه الحق الحالي الذي يحتوي على منافع اقتصادية "محتملة"، فعلى سبيل المثال عند الحصول على الأداة المالية التي تسمى الخيار، فإن مالك الخيار يكتسب القيمة من قدرته على تحقيق منافع اقتصادية عند ممارسة الخيار في تاريخ مستقبلي، لكن لا يعني ذلك أن الحق يتحقق في المستقبل بل إن المورد الاقتصادي هو "الحق الحالي"، أي: الحق في ممارسة الخيار في تاريخ مستقبلي، فهذ الخيار يكتسب قيمة في المحاسبة رغم أن من الصعب تصنيفه كأحد الحقوق التي أشارت إليها المادة (26) من النظام.

تعد السيطرة على اتجاه تدفق المنافع الاقتصادية من الصفات الملازمة للحق في المحاسبة، فقد نص الإطار الفكري المحاسبي على أن شرط سيطرة المنشأة على مورد اقتصادي يعني تدفق المنافع الاقتصادية المستقبلية من هذا المورد إلى المنشأة إما بشكل مباشر أو غير مباشر، وعادة ما تنشأ السيطرة على مورد اقتصادي من القدرة على إنفاذ الحقوق القانونية. ومع ذلك، فالسيطرة قد تنشأ من عدم قدرة أي طرف آخر على استخدام المورد الاقتصادي والحصول على المنافع التي قد تتدفق منه، مثل حق استخدام الدراية الفنية Know-How مع قدرة النشأة على الحفاظ على سرية المعرفة، حتى لو كانت تلك المعرفة غير محمية ببراءة اختراع، كما يظهر فإن الحقوق في الإطار الفكري أكثر توسعا منها في المعاملات المدنية، في رأيي، وهذا يمنح المحاسبة مرونة عالية في إثبات الأصول، لكن ليس بالضرورة أن إثبات الأصول والحقوق في القوائم المالية يعني إثباتها في القضاء.

 

 

نقلا عن الاقتصادية