هل ارتفاع أسهم «إنفيديا» مجرد فقاعة؟

18/06/2023 6
د. فهد الحويماني

ارتفعت أسهم شركة إنفيديا المختصة في إنتاج معالجات الكمبيوتر والشرائح الإلكترونية منذ بداية العام بنحو 200 في المائة، من 146 إلى 430 دولارا للسهم الواحد، ما جعل الشركة تدخل في قائمة الشركات "التريليونية" أسباب الارتفاع المهول في سعر السهم يعود خصوصا إلى اهتمام المستثمرين بما لدى الشركة من شرائح إلكترونية مفيدة جدا في مجال الذكاء الاصطناعي، هل "إنفيديا" الشركة الوحيدة التي لديها هذه الشرائح، أو ما تعرف بوحدات المعالجة عالية السرعة؟ وماذا عن أكبر شركة مختصة في معالجات الكمبيوتر ومعروفة منذ عشرات السنين، ألا وهي شركة إنتل التي توجد معالجاتها تقريبا في جميع الحاسبات الشخصية والحاسبات المحمولة؟ هل "إنفيديا" مجرد فقاعة ستزول قريبا؟ لا ننسى أن هناك حالات كثيرة لفقاعات تقنية روجت لها أسواق الأسهم وتصاعدت أسهم شركاتها وفي النهاية انتهت بتحطم وانفجار سريع ومخيب للآمال، فهل نحن أمام فقاعة خاصة بالذكاء الاصطناعي؟ وهل بؤرة هذه الفقاعة هي شركة إنفيديا؟ ، الجواب باختصار أن لا أحد يعرف إلى أين تتجه الأحداث وما إذا كانت ثورة الذكاء الاصطناعي مستحقة أم أنه مبالغ بها، أو ما إذا كانت المبالغة ربما فقط في منتجات شركة إنفيديا؟ وهل التنافس القوي في هذا المجال سيكون موجعا للشركة في المستقبل القريب؟

بداية علينا إيضاح طبيعة منتجات "إنفيديا" في أنها معالجات إلكترونية تتميز في قدرتها الفائقة على ضغط مئات المعالجات في لوحة واحدة حيث يمكن تجاوز القصور المعروف في معالجات الكمبيوتر التقليدية، كمعالجات "إنتل" المشهورة. وهنا نحتاج بعض التفصيل لمعرفة سبب تميز معالجات "إنفيديا" وقدرتها على سحب البساط من تحت أرجل عملاق المعالجات "إنتل"، الحقيقة التي لا يدركها كثير من الناس أن جهاز الكمبيوتر المزود بمعالج واحد، كما هي جميع الحاسبات الشخصية والمحمولة إلى وقت قريب، لا يستطيع تنفيذ أكثر من عملية واحدة في وقت واحد مهما بلغت سرعة المعالج، ويمكن تشبيه ذلك بمتجر لا يوجد به إلا محاسب أو "كاشير" واحد تمر من خلاله جميع عمليات البيع. ولسنوات طويلة كانت "إنتل" تعمل باستمرار على تطوير سرعة هذا الكاشير بطرق فنية مبتكرة، مستفيدة من التطورات التقنية التي تسمح بمضاعفة عدد الترانزستورات في المساحة الواحدة، إلى جانب أساليب أخرى ترفع من سرعة التنفيذ من خلال توظيف طبقات متعددة من الذاكرة السريعة وقنوات نقل البيانات داخل الكمبيوتر.

فيما بعد حدث هناك تطور مهم استفادت منه "إنتل" وذلك بزيادة عدد المعالجات، فأصبح جهاز الكمبيوتر اليوم يحتوي على 4 إلى 16 معالجا في قطعة واحدة، فكأن المتجر الآن أصبح لديه 16 كاشير بدلا من كاشير واحد. إلا أن هناك مشكلة في هذا الابتكار لا يمكن تجاوزها بسهولة وهي أنه لا يمكن الاستفادة من جميع موظفي الكاشير في وقت واحد، وهنا يتوقف التشبيه بسبب اختلاف عمل البرمجيات عن مثال المتجر هذا، فبحسب طبيعة معظم البرمجيات لا يمكن الاستفادة من أكثر من معالج واحد في وقت واحد، بغض النظر عن عدد المعالجات، عدم الاستفادة الكاملة من هذه المعالجات ليست مشكلة لمعظم الناس كون السرعة الناتجة عن معالج واحد كافية لتنفيذ ما يحتاج إليه المستخدم دون أن يلحظ أي فارق في السرعة أو قصور في الأداء، بل إن المشكلة الأكبر التي يعانيها أكثر المستخدمين هي مشكلة سرعة الاتصال وليست سرعة المعالج. ولهذا السبب لم تهتم "إنتل" في مسألة تطوير معالجاتها أكثر من ذلك، غير أن ذلك ترك الباب مفتوحا أمام شركات منافسة، مثل "إنفيديا".

الثغرة التي استغلتها الشركات المنافسة ولم تكترث بها "إنتل" لسنوات طويلة هي أن هناك أحيانا حاجة إلى تنفيذ أعمال بالتوازي، وهي الحالات التي يمكن فيها الاستفادة من أكثر من كاشير واحد في الوقت نفسه، وهي حالات خاصة غير مهمة لمعظم المستخدمين، إلا أنها مهمة لاحتياجات فئات معينة من المستخدمين. ورغم وجود 16 أو 32 معالجا لدى "إنتل" في القطعة الواحدة إلا أن ذلك العدد لا يكفي، فالعدد المطلوب من المعالجات يصل لبضعة آلاف من المعالجات وليس فقط إلى 32، هذه الثغرة لم تكن خافية عن "إنتل" لكن الشركة لم تعدها حاجة ماسة لكثير من المستخدمين، وبالتالي لا جدوى هناك من الاستثمار بها، والاكتفاء عوضا عن ذلك بتطوير معالجاتها التقليدية والتصدي للمنافسة القوية من غريمها شركة آي إم دي التي لديها معالجات مستخدمة في كثير من الحاسبات الشخصية والمحمولة كبديل لمعالجات "إنتل"، لسنوات طويلة كانت معالجات "إنفيديا" تستخدم في تقنية الشاشات لتحسين تجربة المستخدم برفع جودة وضوح الشاشة وانسيابية الرسوم والصور المتحركة في تطبيقات الألعاب وبعض التطبيقات المختصة التي لا يمكن القيام بها عن طريق معالجات "إنتل". القرار الاستراتيجي لشركة إنتل حتى عام 2022 كان مبنيا على أسلوب دمج معالجة الشاشات مع المعالج الرئيس وكانت الشركة ضد فصل هذين النوعين من المعالجات، وبالتالي هذا القرار الخاطئ جاء في مصلحة "إنفيديا" التي قامت بتطوير معالجاتها إلى درجة أن كثير من الحاسبات الشخصية أصبحت تستخدم بطاقات الشاشة من "إنفيديا" جنبا إلى جنب مع معالجات "إنتل".

وبسبب بروز مجال التعدين في العملات المشفرة وتطبيقات الألعاب تضاعفت الحاجة إلى معالجات سريعة مختصة، كتلك التي تقدمها "إنفيديا"، ومع انطلاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وغيرها من التطبيقات التي تستفيد من المعالجات المتوازية، التي تصل إلى أربعة آلاف معالج في بعض بطاقات "إنفيديا"، تفاقمت الحاجة إلى الاعتماد على منتجات "إنفيديا"، وذلك هو سبب شهرتها وارتفاع قيمتها السوقية بشكل مذهل خلال فترة قصيرة، اليوم القيمة السوقية لعملاق المعالجات "إنتل" فقط 148 مليار دولار، بينما القيمة السوقية لمنافستها التقليدية "آي إم دي" 205 مليارات دولار، فيما أن قيمة "إنفيديا" تجاوزت تريليون دولار، لكن بدءا من 2020 قررت "إنتل" الدخول إلى مجال المعالجات المتوازية السريعة والاعتراف بجدوى جعلها قطعة منفصلة عن المعالج الرئيس، وبالتالي هناك من يعتقد أنها قد تكسب المعركة قريبا وتعود إلى قيادتها لسوق المعالجات.

هل "إنفيديا" مجرد فقاعة؟ من المهم إدراك أن معالجات "إنفيديا" لا تصلح للاستخدام العام، كما هي معالجات "إنتل" أو معالجات "آي إم دي"، بل إنها تتميز فقط في قدرتها على تلبية متطلبات التطبيقات التي تستفيد من وجود كم كبير من المعالجات البسيطة في الجهاز، كما هو الحال في مجال الذكاء الاصطناعي، بالعودة للتشبيه بموظفي الكاشير، "إنفيديا" تتميز بضخ عدد كبير من موظفي الكاشير المختصين بإنجاز أعمال محددة وبسيطة، بينما "إنتل" تتميز بإنتاج عدد قليل من موظفي الكاشير متعددي الوظائف والمهارات والمواهب، لضيق المساحة هنا نكتفي بالقول إن "إنفيديا" لا تصنع المعالجات نهائيا، بل إنها تعتمد في ذلك على عملاق الشرائح الشركة التايوانية المعروفة التي قيمتها السوقية اليوم 560 مليار دولار، ودور "إنفيديا" يقتصر على تصميم تلك المعالجات.

 

 

نقلا عن الاقتصادية