الكفاءة الاقتصادية المعنى وما يبنى عليه

14/11/2022 1
د.صالح السلطان

من المصطلحات الاقتصادية كثيرة الشيوع في عصرنا مسمى كفاءة اقتصادية ترجمة للمصطلح الأعجمي الحديث Economic efficiency. رغم الشيوع، فإن الاستخدام يزيد في أوقات ويقل في أوقات. مثلا في وقتنا زاد بسبب ما يشهده العالم من تطورات تقنية ومناقشات ومشكلات بيئية واقتصادية غير مألوفة. هذه الأمور تطلبت ضمن ما تطلبت مناقشة الحلول الأكثر كفاءة.

ماذا يعني المسمى؟ المعنى الأكثر شهرة الاستخدام الأحسن للموارد المتاحة. تحقق ذلك يفهم منه أو يتطلب اتصاف الاستخدام بصفات. من الصفات المطلوبة استناد الممارسة والتطبيق على علم ومهارة. الاستخدام المبني على علم وابتعاده عن صفات كالإسراف. وللعلم، يبتعد علم الاقتصاد عن استخدام تعريف للكفاءة بكلمات مثل "فعل الأحسن". لماذا؟ لأنها لا تصلح للتحليل الاقتصادي، الذي يتطلب استخدام عبارات ـ مصطلحات ـ ذات معان منضبطة أي محددة، يمكن التعبير عنها كميا أي رقميا. ولذا لا بد من التعبير عن معنى الكفاءة بتعريف منضبط يمكن وضعه بصورة كمية.

تعرف الكفاءة بالآتي، "توزع موارد (ثروات) أو دخل أو إنتاج الاقتصاد في مجتمع ما بين الأفراد أو القطاعات، يعد كفئا إذا لم يمكن وجود توزع آخر يجعل فردا أو قطاعا واحدا على الأقل من المجتمع في حالة أفضل دون الإضرار بآخرين". التعريف السابق شبه متفق عليه بين علماء الاقتصاد. ويفهم من هذا التعريف أن التوزيع لا يعد كفئا إذا كان ممكنا إعادة توزيع الموارد على نحو يجعل فردا واحدا على الأقل في حالة أفضل دون أن يضر ذلك بحالة الآخرين. هذا التعريف لا ينطبق فقط على التملك أو الاستهلاك، بل ينطبق على الإنتاج أيضا، وفي هذه الحالة نقول، إن توزيع الموارد على الإنتاج يعد كفئا إذا لم يمكن وجود توزع آخر يجعل إنتاج بعض السلع والخدمات أكثر دون الإضرار بإنتاج سلع وخدمات أخرى.

مثال بسيط جدا لتسهيل الفهم على غير المتخصصين، لدى طالب أقلام، بينما لدى طالب آخر كراسات. لنفترض أن الطالب الأول ليست لديه كراسة وهو بحاجة إلى عدد منها، وأن الثاني ليس لديه قلم وهو بحاجة إلى عدد منها. يعد هذا التوزيع للموارد "الثروة" غير كفء، لأنه يمكن إعادة التوزيع بطريقة تجعل كلا الطالبين في حالة أفضل. لنفترض من باب التسهيل أن ثمن القلم الواحد يساوي ثمن الكراسة الواحدة، وأن الطالب الأول تبادل مع الثاني قلما بدفتر، كلا الطالبين في حالة أفضل الآن، لذا يعد التوزيع الجديد أكفأ من القديم. الاستمرار في التبادل "إعادة التوزيع" يجعل كل طالب في حالة أحسن، إلى أن يصلا إلى توزيع لا يرغب كلاهما أو أحدهما في إعادته، وفي هذه الحالة نقول إنهما حققا التوزيع الكفء.

التعريف السابق للكفاءة يثير عدة نقاط للمناقشة أوجز أهمها:

قد يظن البعض أن إعادة توزع "أو تقسيم" الموارد لجعل فردا أو أكثر في حالة أفضل قد يظن أنه لا بد أن يضر بطرف، ومن ثم فإن الكفاءة بالتعريف السابق محققة دوما. هذا الظن غير مقبول، فعلى سبيل المثال، عقد البيع تنشأ منه إعادة توزيع يستفيد منها كلا الطرفين "البائع والمشتري". لكن هناك سؤال، هل الاستفادة متكافئة بين الطرفين أو أنها غير متكافئة؟ مثال للأخير كأن يكون المشتري مغبونا، أخفيت عليه معلومات أساسية يفترض علمه بها.

يلاحظ أن التعريف لا يتعرض للعدالة، أي أن التوزيع قد يكون عادلا وقد لا يكون سواء كان كفئا أو لم يكن. مثلا، كيف حصل كل طالب في المثال السابق على ما عنده قبل إعادة التوزيع قضية لا شأن للكفاية بها.

بالنظر إلى أن تقدير الأفراد لمنفعة ما يشترونه تتفاوت، لذا فإن معيار تحديد كون الفرد في حالة أفضل تعتمد على تقديره، وليس على تقدير جهة أخرى. وكون الفرد في حالة أفضل يقصد بها الحالة المادية بطبيعة الحال.

إذا لم يتحقق التوزيع الكفء فإنه ينشأ تعطيل لاستعمال بعض الموارد في حالة الإنتاج، وإسراف أو تبذير فيها في حالة الاستهلاك. هذا الإسراف بسبب غياب الكفاءة، ليس متطابقا بالضرورة مع معنى الإسراف عرفا "المعنى المفهوم لدى عامة الناس". وتبعا، فإن الإسراف بالمعنى العرفي يمكن أن يوجد حتى مع وجود الكفاءة. وبصفة أعم، هناك عوامل تعمل على إضعاف الاستفادة من موارد، أي أنها تسير ضد الكفاءة في الإنتاج والأداء.

رغم بساطة الفكرة إلا أنه كان لها تأثير كبير في التفكير الاقتصادي، ساعد على ذلك أن الفكرة في علم الاقتصاد لا تقدم في ثوب نظري مجرد. كما أن الفكرة ساعدت على فهم تعريف السوق التنافسية ومدى كفاءتها في توزيع الموارد. لذا كان لها تأثير كبير في السياسات الحكومية التدخلية تجاه السوق. مثال، ناقش عدد كبير من كبار الاقتصاديين صلة الكفاءة الاقتصادية بتركيب السوق، وقد توصلوا في أبحاثهم إلى نتائج منها أن السوق التنافسية، تحت شروط، تحقق الكفاءة الاقتصادية. أهم شرط هو عدم قدرة أي طرف التعامل في السوق "البائع والمشتري" على فرض السعر الذي يريد، أي أن السوق هي التي تقرر مستوى الأسعار وليس أحد البائعين أو المشترين، أو مجموعة متفقة منهم.

فكرة الكفاءة الاقتصادية لا تؤخذ على إطلاقها، ولذا وجدت عليها تحفظات. مثلا سلوك البشر واقع تحت تأثير عوامل تقلل من تطبيق الكفاءة واقعا. ومع ذلك فإن الكفاءة الاقتصادية معيار مهم في تقييم الأداء الاقتصادي لأي اقتصاد، وعلى هذا سارت جمهرة الاقتصاديين. طبعا لا يصلح الاكتفاء فقط بالكفاءة. مطلوب الأخذ بمعايير أخرى كالعدالة، والله الموفق.

 

نقلا عن الاقتصادية