القطاع غير الربحي في السعودية ... الواقع والتحديات

01/08/2022 0
د. عبدالعزيز بن محمد العواد

أظهر تقرير آفاق القطاع غير الربحي  الصادر من مؤسسة الملك خالد لعام 2022م، ارتفاع عدد المنظمات المسجلة في السعودية إلى حوالي سبعة آلاف منظمة، بنسبة نمو بلغت 166 %، وزيادة في مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي للسعودية بأكثر من 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار) سنوياً. وهو معدل نمو ممتاز خاصة لو علمنا أن السعودية هي واحدة من دول مجموعة العشرين التي  تتكامل فيها القطاعات الثلاثة الحكومي والخاص وغير الربحي، وهو أحد توجهاتها الاستراتيجية والتنموية بما يحقق اقتصاداً مستداماً ومجتمعاً حيوياً، وتعمل منظمات القطاع في تلبية الحاجات الاجتماعية والإنسانية في جميع مناطق السعودية من مدن ومحافظات وقرى وهجر؛ ولذلك يعتبر القطاع أحد السواعد التنموية على المستوى الاقتصادي، وتستهدف رؤية 2030 من خلاله أن يساهم بما نسبته 5% في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030م. 

ويمكن تعريف القطاع غير الربحي على أنه المنظمات التي لا تسعى إلى الربح، ويضم هذا القطاع الجمعيات الخيرية والتعاونية والتطوعية كما يمكن أن يضم المؤسسات الوقفية، والتي يتم تأسيسها بهدف تقديم كافة أشكال الخدمات الثقافية والخيرية والتعليمية والمهنية والعامة بدون أي هدف مادي مقابل هذه الخدمات، حيث يتم توفير الأموال التي سوف يتم البدء بها في هذه المنظمات من قبل الأعضاء المساهمين في نفس الجمعية أو عن طريق جمع التبرعات أو الهِبات المادية من مختلف الأشخاص في القطاعات العامة أو الخاصة، وتكون هذه الأموال غير مردودة على أصحابها أي أنهم لا ينتظرون إرجاع أموالهم إليهم، كما أنهم لا يتأثرون بمقدار الربح أو الخسارة التي من الممكن أن تتعرض لها هذه المنظمات. 

ويمكن للمنظمات غير الربحية استثمار أموالها التي تعود عليهم بالنفع لضمان استمرار المنظمة، كما تتميز هذه المنظمات بميزة الإعفاء من الضرائب ففي الغالب يتم منح هذه المنظمات إعفاءات ضريبية وحتى الأشخاص الذين يدعمونها تُعفى مساهماتهم فيها من الضرائب، وتُصنف أغلبية المنظمات غير الربحية على أنها منظمات غير حكومية هدفها ليس الربح، وتدعم هذه المنظمات الأنشطة المختلفة مثل التعليم والرعاية الصحية، وقد انتشرت انتشاراً واسعاً في القرن العشرين في جميع أنحاء العالم. 

وقد وضعت رؤية 2030 خطة واضحة لتنمية وتطوير القطاع غير الربحي، حسب ما ورد في برنامج التحول الوطني الذي صدر عنه المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بصفته أحد مبادرات البرنامج، ليساهم في تحقيق محاور الرؤية وهي وطن طموح، مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر. 

ففي عام 2016م وقبل رؤية 2030 لم تتجاوز مساهمة القطاع غير الربحي في السعودية ٠,٣% من الناتج المحلي. وتعد هذه المساهمة متواضعة إذا ما قورنت بالمتوسط العالمي الذي يبلغ (٦%)، وفق الهيئة العامة للأوقاف، وفي الوقت الراهن وصل عدد المشتغلين في هذه المنظمات أكثر من 72 ألف موظف وموظفة، بنسبة توطين وصلت إلى 78 %.  هذا ويواكب القطاع غير الربحي رؤية 2030 التي تسعى لزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي إلى 5% ورفع أعداد المتطوعين إلى مليون متطوع ومتطوعة بحلول 2030م، ويسهم بشكل فعال في تنمية مختلف المجالات التي تخدم المجتمع وترسيخ ثقافة المسؤولية المجتمعية إضافة لكون هذا  

القطاع محوراً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة في ظل ما تشهده السعودية من دعم متواصل يعزز قيم العمل الإنساني لأفراد المجتمع من خلال التكامل مع الجهات الحكومية المختلفة وتعظيم نفعها. 

لكن على الرغم من البيانات المبشرة للقطاع غير الربحي في السعودية إلا أنه يواجه العديد من التحديات التي تقوض من نموه والوصول إلى مستهدفات رؤية 2030، ومن أبرز التحديات قلة الكفاءات والقدرات البشرية من خلال محدودية جاذبية القطاع للكوادر المؤهلة وانعدام المحفزات والمؤهلات الوظيفية والتي أدت إلى نقص الكوادر البشرية، وتسربها، وضعف الإدارة الإستراتيجية والمالية، كذلك شح البيانات والمعلومات المتوفرة من وإلى القطاع وعدم وجود مصدر واضح للمعلومات يحاكي عمل المنظمات غير الربحية. الشق المالي أيضاً تحدي مهم يواجه هذه المنظمات من خلال محدودية الموارد وفرص التمويل والاعتمادية العظمى على مصادر التمويل الخارجية التي تحد من فرص المنظمة في وضع استراتيجيتها وخططها طويلة الأجل لنموها واستدامتها، وعدم اكتمال البيئة التشريعية الممكنة لعمل القطاع  والسياسات الحاكمة لأدواره وممارساته، وضعف المحفزات المقدمة لتأسيس المنظمات، بالإضافة إلى محدودية الاستخدام الفعال للتقنية الحديثة والتي تؤثر في فعالية الأداء وكفاءته. 

ومن وجهة نظري ، بات من الضروري قيام المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بدوره في تعزيز الشراكة المجتمعية بين المنظمات غير الربحية والجهات ذات العلاقة في المجالات التي تساهم في ابتكار الحلول وتوفير خدمات بجودة عالية، وكذلك إنشاء قاعدة بيانات موحدة تعمل من خلال ربط الكتروني عبر منصة حكومية رقمية بين جميع المنظمات غير الربحية بالسعودية بهدف التأكد من دقة بيانات المستفيدين، فضلا عن الدور المنتظر من المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي في اصدار تقارير دورية تعرض على الرأي العام السعودي من خلال البوابة الالكترونية الخاصة بالمركز. 

 ومن المقترحات أيضاً ضرورة زيادة المنظمات غير الربحية العاملة في قطاع الابحاث كمراكز  الدراسات و الأبحاث العلمية والتقنية وجمعيات دعم العلماء والمفكرين ورعايتهم من الصغر، وتمكينها من تنفيذ هذه الدراسات والأبحاث صناعياً أو زراعياً أو تقنياً، لنحقق فعلياً معنى التنمية المستدامة، ولنغير مفهوم القطاع غير الربحي من قطاع ريعي إلى قطاع منتج وفعال في المجتمع، وللمساهمة في رفع الناتج المحلي. 

وكذلك ضرورة زيادة الوعي المجتمعي لدور المنظمات غير الربحية وأهميتها لتعظيم الاستفادة مما هو متاح ومتوفر لتحقيق التنمية وتحسين جودة الحياة، ووضع خطط استباقية للأزمات التي قد تواجه تلك المنظمات من خلال التخطيط المبني على استراتيجية إدارة المخاطر الطارئة أو المتوقعة مع أهمية تجهيز فريق داخل المنظمات قادر على دراسة المخاطر المحتملة وتطبيق معايير الجودة في التصدي لها. 

و نشر ثقافة العمل التطوعي وغرس مفهومه والتوعية بأهميته في المناهج التعليمية، ودوره في التنمية المجتمعية  والاقتصادية  وأثره في توفير فرص العيش الكريم للأسر ذوي الدخل المحدود، بالإضافة الى ضرورة تمكين هذه المنظمات من استخدام التقنية في تعاملاتها مما يطور أداء أعمالها والتفاعل المستمر مع المستفيدين، فضلا عن أن تهيئة بيئة عمل جاذبة ومحفزة للكوادر البشرية والكفاءات، تعتبر من أهم ممكنات  القطاع لتطويره ونموه وديمومته. 

 

 

خاص_الفابيتا