تضخم جذب التكلفة

28/03/2022 0
د.صالح السلطان

تملأ العالم أخبار موجة التضخم الحالية. والتضخم يولد تضخما غالبا عبر زيادة التكلفة في الإنتاج. وجزء كبير من التضخم في بلادنا مستورد، سواء لذاته و/أو لتغير أسعار الصرف. وغالبا يتداخل التضخم المستورد بالتضخم محلي النشأة، بالنظر إلى اعتماد جزء كبير من المدخلات على الاستيراد. ويفهم من هذا أن بعض التضخم مستوردا كان أو محليا راجع إلى زيادة التكلفة. وطبعا بعض التضخم تجذبه عوامل أخرى غير التكلفة. وفي الأغلب تتفاعل وتتداخل العوامل مع بعض. والتركيز هنا في التضخم المجذوب بالتكلفة.

يتسبب ارتفاع التكاليف في رفع الأسعار أو الحد من العرض - كأن يقفل بعض المنشآت أو بعض الفروع أو يلغى بعض خطوط الإنتاج بسبب ضعف الجدوى -، والقارئ يعرف نتيجة ذلك على أسعار المنتجات تبعا لقانون العرض والطلب.

ويمكن أن يسهم المنفرد أو القلة المنفردون المتعاونون من المنتجين البائعين الذين يهيمنون على حصة كبيرة من السوق، في تضخم جذب التكلفة عند رفعهم الأسعار مباشرة أو عبر الحد من كميات العرض. وزيادة الأسعار بهدف الربح، وهو ما يتبادر إلى ذهن كثير من الناس. وفي هذا المقام أنبه إلى أن زيادة الأسعار لا تعني بالضرورة زيادة الربح.

طبعا سيثار سؤال عن سبب ارتفاع التكاليف؟

هناك أكثر من سبب وسبب. على سبيل المثال، ازدهار اقتصادات دول بصورة غير مسبوقة، يزيد الطلب العالمي على سلع. ومن ثم تسهم في رفع أسعارها عالميا، وهذا بدوره يؤدي إلى غلاء ومنه غلاء في تكاليف الإنتاج. وقد يحدث الغلاء حتى عند وقوع عكس الازدهار، أي: عند حدوث ما يتسبب في تذبذب أو إضرار باقتصادات دول. يؤدي ذلك إلى انخفاض بين في حجم صادرات سلع تتميز بها تلك الدول، ومن ثم ترتفع أسعارها عالميا. وما يحدث بين روسيا وأوكرانيا مثال واضح.

كما أن من أسباب ارتفاع التكاليف ازدياد التنظيمات الحكومية المنظمة لأنشطة القطاع الخاص. مثلا، زيادة التشديد في المعايير واشتراطات السلامة ترفع التكلفة. كما أن التكاليف ترتفع بصورة غير مباشرة في حال ازدياد المخاطرة على البائعين. كيف؟ يلجأون إلى رفع الأسعار، ومن ثم رفع معدل العائد لموازنة المخاطر - هناك علاقة طردية بين معدلات العائد ودرجات المخاطرة -. كما أن زيادة المخاطر قد تعمل على خفض العرض أو ضعف نموه بما يتوازن مع الطلب، عبر طرد بعض الاستثمارات. وتلعب التنظيمات الحكومية، وكذلك ثقة الناس بوضوح القوانين أو تنفيذ الأحكام القضائية دورا كبيرا في تقليل أو زيادة بعض مخاطر الاستثمار.

مثال واضح لتأثير التنظيمات نظام إيجار. يفرض النظام توثيق عقود الإيجار العقاري بتطبيق نظام إيجار. لكن بعض العقارات لا تقبل تطبيق نظام إيجار لوجود مشكلات، حلها يتطلب وقتا. وهذا يتسبب في خروج بعض الوحدات من العرض العقاري التأجيري. وهذا يرفع أسعار التأجير.

إن تطوير الأنظمة أمر طبيعي في أي تحول وتطور حضاري عبر تاريخ البشر. وما يهم هو فهم أن التطوير تصحب تطبيقه في حالات كثيرة مشكلات وسلبيات. والمطلوب السعي لتقليلها قدر الإمكان. من وسائل التقليل وضع استثناءات وقتية للتطبيق مراعاة لظروف وأحوال بضوابط مدروسة. الهدف تقليل مشكلات وأضرار تصحب التطبيق إلى أقصى حد مقدور عليه. وكلما كان التحول أكثر جودة وأقل مشكلات، كانت درجة الاستفادة منه، أفضل وأقوى.

مثال آخر التوطين. هل التوطين يرفع من تكلفة توفير سلع وخدمات بعينها؟ في حالات لا، وفي حالات نعم، اعتمادا على عوامل على رأسها طبيعة الوظائف تحت التوطين، ومستويات الأجور المدفوعة لمواطنين مقابل وافدين.

ما علاقة المخاطر؟ ترتفع التكلفة عند زيادة المخاطر. في حالات ينطبق عليها القول الطالح يخرب على الصالح. فعلى سبيل المثال، لوحظ في السلع المستأجرة من عقار وغيره، أن هناك نسبة عالية من المماطلين في الدفع، - ومنهم القادرون على السداد، ومنهم من يجدون صعوبات أو عدم قدرة - أو المحدثين أضرارا بالسلعة المستأجرة - خلاف ما يسببه الاستعمال المعتاد -، دون تحمل تكلفته، مقابل تكاليف عالية عند طلب البت القضائي، وعند طلب تنفيذ الحكم القضائي. وهذا يرفع تكلفة المخاطرة على الملاك، فيرفعون أسعارهم. ومن جهة أخرى، يؤثر سلبا في العرض. ما يترجم إلى زيادة الاختلال بين العرض والطلب الذي بدوره يسهم في زيادة ما يطلبه المؤجرون.

من المهم أن أذكر صعوبة وأحيانا تعذر وجود بيانات عن التكاليف. لا يوجد رقم قياسي لأسعار الصرف مراعى فيه الوزن النسبي لعملات الدول الأكثر تصديرا. إلا أن التعرف على حركة أسعار الصرف الاسمية يعطي بعض الفائدة.

التعرف على نسب التغير في أسعار الصرف خلال فترة قصيرة يعطي حدا أدنى من التعرف على تأثير حركة أسعار الصرف. وللحصول على صورة أفضل عن هذا التأثير، لا بد من رقم قياسي يستند إلى تغيرات أسعار الصرف الاسمية، موزونة حسب الأهمية النسبية لعملات الدول التي تأتي منها واردات المملكة. ولا يتوافر في الوقت الحالي هذا الرقم القياسي. ولعله يطور قريبا.

 

 

نقلا عن الاقتصادية