الربـــع الخــالي

15/12/2021 1
عبدالله الجعيثن

أذكر أني أُصبت بالدهشة وأنا في الابتدائي من هول المساحة حين رأيت الربع الخالي في خريطة المملكة المجيدة التي تُشبه في مساحتها قارة تُكشر بأنياب التحدي وتُهدد بتمدد التصحر، ولكن قادتنا الكرام واجهوا ذلك التحدي بهمة كالجبال، فالربع الخالي تمخره الآن طرق تنسف أطنان الرمال وتخرق أقسى الجبال، والتنقيب عن الثروات النفطية والمعدنية في الربع الخالي قائم على قدمٍ وساق واعد بمزيد من المستقبل المشرق للأجيال، هاهو ذا طريق عملاق يمخر الربع الخالي ويربط المملكة العربية السعودية بالشقيقة عمان، متحدثًا بقوة الإرادة وجودة الإدارة، متحدياً جبال الرمال في مساحة الربع الخالي الهائلة، منيرًا متاهات الصحراء الشاسعة التي يحار فيها القَطا ويضيع الدليل، ويجرجر الجمل الخبير بمهالك ذلك الدرب الموحش الطويل، كما جرجر متألمًا جمل امرئ القيس حين شم ذلك الطريق الذي سلكه به الشاعر:

(على لاحبٍ لا يهتدي بمنارهِ

إذا سافه العودُ النباطي جرجرا)

لقد كانت طرق جزيرة العرب لاحبة شاحبة تهلك فيها المطايا وتتقطع الأكباد والأسفار حتى إن جمل امرئ القيس جرجر أسىً حين شم ذلك الطريق المخيف رغم أنه سفينة الصحراء وأصبر المخلوقات لكن هول الطريق أشد وأكبر حتى هلك الجمل وصاحبه في ذلك الطريق الصحراوي الشاحب الذي حين ركبه الجمل نعى نفسه مقدمًا، وكانت أكثر الطرق في قلب الجزيرة قديمًا مليئة بهياكل الإبل الهالكة وبقايا عظام السالكين في:

(مَهالِكَ لم يصْحَبْ بها الذئبَ نَفسُه

ولا حَمَلَتْ فيها الغُرابَ قَوادِمُهْ)

تلك المهالك حولتها المملكة، بفضل الله، إلى طرق واضحة المعالم جميلة المسالك مريحة العبور، تزدان على جوانبها الخدمات، وتسهم في التنمية والسياحة والتجارة ويفخر الإنسان بهكذا إنجاز.

الطرق في المملكة ملحمة إنجاز عميم عظيم لم تُكتب بعد.. في المملكة طرق طويلة تصل أطرافها المتباعدة وتشق جبالها الشاهقة وتمخر رمالها المتحركة، هي بمثابة شرايين قوية صحية يتدفق من خلالها إكسير الحياة مغذياً المدن الكبرى والأرياف والهجر الصغيرة.. كل درب يلاطف الصحراء مُغنياً في طريقة أنشودة الحياة، شرايين حية ممتدة على طول المملكة القارة وعرضها، رابطة بعضها ببعضها، حاملة ثمار التنمية إلى كل مكان في بلادنا الكبيرة العظيمة، واصلة بين الأحباب في كل بقعة وأرض، داخل المملكة وخارجها، مختصرة الزمان والمكان في ملحمة إنجازات كبرى لازالت بطرقها الحديثة تسابق خطى المسافرين وأحلام الحالمين، لتجعل الأسفار وتنقل البضائع والخدمات متاحة بسهولة لكل مواطن وساكن ومسافر وعابر على هذه الأرض المباركة، دافعة النمو إلى الأمام وفي كل اتجاه، حتى الربع الخالي لم يعُد خاليًا بل سوف ينطق شاهدًا على نبض الحياة وحركة الناس وجموع السياح وتواصل قوافل التجارة والإمداد.. الجغرافيا في المملكة تتغير نحو الأفضل والتاريخ.

 

نقلا عن الرياض