ارتفاع مؤشر الدولار وتأثيره في أسعار الأسهم

22/08/2021 3
د. فهد الحويماني

يقف مؤشر الدولار U.S. Dollar Index هذه الأيام عند مستويات لم يصلها منذ نوفمبر 2020، حيث وصل الخميس الماضي إلى 93.50 نقطة، ويتزامن صعوده هذا مع هبوط في الأسهم والذهب والبترول وسلع أخرى.

ما طبيعة هذا المؤشر وماذا يعني صعوده وهبوطه بين الحين والآخر؟ وما تأثيره في الاقتصاد وأسواق الأسهم؟

مؤشر الدولار عبارة عن مقياس لأداء الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسة، يشكل اليورو نحو 60 في المائة من وزنها، ثم يليه الين الياباني بنسبة 14 في المائة، ونسبة 12 في المائة للجنية الاسترليني ثم النسب الباقية للدولار الكندي والكرونة السويدية والفرنك السويسري. عندما يكون هناك طلب على الدولار يبدأ هذا المؤشر في الارتفاع، وهذا ما نراه منذ نحو ثلاثة أشهر حين كان المؤشر أقل من 90 نقطة ومن ثم بدأ في الارتفاع إلى أكثر من 93.50 نقطة الخميس الماضي.

مؤشر الدولار يرصد أداء عقود مستقبلية عبارة عن مراهنات على صعود الدولار وانخفاض العملة المقابلة، وبالتالي فارتفاع المؤشر يأتي بسبب الارتفاع الفعلي للدولار -في السوق النقدية- وكذلك لاقتناع المضاربين بجدوى المراهنة على ارتفاع سعر الدولار، وبالتالي قيامهم بشراء عقود مبنية على الدولار.

أما ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسواق النقدية، أو الفورية، فبسبب زيادة الطلب على المنتجات الأمريكية، وهذا أمر ملحوظ في نتائج الشركات الأمريكية في الربعين الماضيين، وملحوظ كذلك في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفي ارتفاع وتيرة التضخم. أما تأثير التضخم في ارتفاع الدولار، فسببه أن التضخم يؤدي غالبا إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار.

لماذا ارتفاع سعر الفائدة يجعل الدولار قويا؟

عندما ترتفع أسعار الفائدة فهناك عدة أمور تحدث في الاقتصاد الأمريكي، وتتأثر بذلك دول أخرى حسب علاقتها بالدولار، ومن هذه الأمور أن ارتفاع معدلات الفائدة يرفع جاذبية الاستثمار بالدولار، مثلا يزداد الطلب على الاستثمار في الودائع البنكية التي تمنح عائدا أعلى من الدول الأخرى. لذا تتجه الأموال من أوروبا إلى أمريكا، ومن استثمارات بعملات مختلفة إلى الاستثمارات المسعرة بالدولار، وذلك للاستفادة من العائد المرتفع. ورغم ذلك حتى الآن أسعار الفائدة في أمريكا لم ترتفع، حيث لا يزال معدل الفائدة الفيدرالي يستهدف ما بين صفر وربع نقطة مئوية. كما لا يزال هناك طلب على السندات الحكومية الطويلة وسندات عشرة أعوام التي رأينا عوائدها تنخفض من 1.75 في المائة قبل نحو ثلاثة أشهر إلى ما دون 1.20 في المائة قبل أسبوعين، وهي الآن في حدود 1.25 في المائة. وهذا أمر محير، فلنحاول البحث عن أجوبة لهذا التناقض الظاهر.

انخفاض عوائد السندات يدل على أن هناك شراء مستمرا للسندات، وهو ما يعرف برحلة البحث عن الجودة flight to quality، ويقصد بها أن المستثمرين متخوفون من الوسائل الاستثمارية مرتفعة المخاطر، مثل الأسهم، فيفضلون اللجوء إلى استثمارات آمنة، مثل السندات، وهذا ما نراه بالفعل.

لكن هذا التوجه نحو السندات الآمنة يحدث رغم الإشارات الواضحة للتضخم في الولايات المتحدة، التي عادة تؤدي إلى رفع أسعار الفائدة وبالتالي إلى هبوط أسعار السندات. كما أن هذا التوجه نحو الاستثمارات الآمنة يحدث رغم الانتعاش القوي للاقتصاد الأمريكي، الذي غالبا يؤدي إلى التوجه نحو الأسهم، لا نحو السندات. أسباب هذه التناقضات عديدة أحدها أن أسعار الفائدة لا تزال منخفضة بسبب سيطرة البنك المركزي الأمريكي "مجلس الاحتياط الفيدرالي" على أسعار الفائدة، وإلى الآن لم يقرر المركزي البدء برفعها. فهل مستثمرو السندات مخطئون في تراخيهم هذا واستمرارهم في شراء السندات والقبول بعوائد منخفضة؟

يعود التذبذب العالي الذي بدأنا نراه في أسعار الأسهم الأمريكية هذه الأيام، حيث انخفض مؤشر داو جونز نحو ألف نقطة خلال يومين، إلى تضارب التقديرات بشأن مستقبل أسعار الفائدة ومدى الانتعاش الاقتصادي وحركة مؤشر الدولار. طالما أن البنك المركزي لم يبدأ برفع أسعار الفائدة، فهناك من يرى أن الأسهم بأسعارها الحالية لا تزال مناسبة للاستثمار، وهذا يضغط على الأسعار إلى الأعلى. والعكس من ذلك، هناك من يرى أن أسعار الفائدة ستأخذ بالارتفاع قريبا لا محالة، وبالتالي فمن غير المناسب البقاء في الأسهم. كما أن هذه الفئة تعتقد أن النشاط الاقتصادي القوي ليس إلا ردة فعل مؤقتة بسبب التباطؤ الشديد نتيجة أزمة كورونا، وأن أسعار الأسهم لن تستطيع المحافظة على هذه المستويات.

تتأثر الأسهم سلبا عندما يرتفع الدولار وذلك لعدة أسباب، منها أن هناك عددا كبيرا من الشركات الأمريكية لديها أعمال وفروع خارج الولايات المتحدة، وهذه ستتأثر أرباحها بسبب ارتفاع الدولار. على سبيل المثال، في دراسة من "إس آند بي جلوبال" عام 2018، 43 في المائة من مبيعات شركات إس آند بي 500 تتم خارج الولايات المتحدة. هذا يعني أن هذه الشركات ستقوم باستبدال أرباحها من اليورو والين وغيرها من العملات إلى الدولار، وعندما يكون الدولار قويا ستتحصل هذه الشركات على أرباح أقل بالدولار.

الأثر السلبي لارتفاع الدولار كذلك يضر الشركات الأمريكية التي تعتمد على التصدير إلى الخارج بحكم أن الدولار القوي يجعل السلع الأمريكية أغلى سعرا للمشتري الأجنبي، فتنخفض مبيعات الشركات الأمريكية، وهذا يؤثر سلبا في أسعار الأسهم الأمريكية.

ختاما، هناك تفاعلات كثيرة ومتضاربة بشأن مستقبل الأسهم الأمريكية على المديين القصير والمتوسط، لكن الدولار الأمريكي يواصل قوته، سبب آخر لقوة الدولار لم نتطرق له يعود لاحتمال توقف عمليات شراء الأصول، أو ضخ السيولة التي يقوم بها المركزي الأمريكي، ما يخفف عرض النقود بالدولار ويحافظ على سعره. ورغم ذلك، فالرسالة الرسمية من البنك المركزي تشير إلى منتصف العام المقبل كوقت التوقف عن شراء الأصول.

وأخيرا، من يراهن على استمرار ارتفاع سعر الدولار، يمكنه شراء صندوق UUP، وهو صندوق متداول يتماشى سعره مع حركة الدولار. ومن يراهن على هبوط الدولار يستطيع شراء الصندوق المعاكس له، وهو صندوق UDN.

 

نقلا عن الاقتصادية