أزمة الجوع .. ووجه أمريكا المظلم

06/12/2020 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

رغم أنه لا توجد دولة تسبق الولايات المتحدة مادياً وعلمياً وعسكرياً، إلا أن أعداد الجوعى الأمريكيين تتسارع بشكل دراماتيكي بسبب فقدان ملايين العمال لوظائفهم بمعدلات مذهلة، وهذا ما عبرت عنه قبل أيام كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، والتي ذكرت أن بلادها تواجه أزمة جوع حادة مع استمرار تفشي الوباء القاتل، فيما تشير البيانات الرسمية إلى أن ٢٦ مليون أمريكي يعانون الجوع، وبالتالي أصبح من المعتاد اصطفاف عشرات الآلاف في طوابير أمام بنوك الطعام في الولايات المختلفة من أجل الحصول على وجبات مجانية، ومساعدات غذائية.

تهدد التداعيات الكارثية للجائحة بمحو مكاسب مكافحة الفقر التي تحققت على مدى عقود في أمريكا، إذ إن مساعدات الحكومة الفيدرالية للفئات الضعيفة في طريقها الآن للنفاذ في ظل الانقسام السياسي حول حزم الإنقاذ المطلوبة، فخلال الأشهر الأولى من الأزمة ساعد قانون الرعاية الفيدرالي، الذي أضاف 600 دولار في الأسبوع إلى إعانات البطالة، وقدَّم شيكات تحفيز بمبلغ ألف و200 دولار على الحيلولة دون تفاقم

الفقر، لكن شريان الحياة للفقراء يوشك الآن على الانقطاع، لأن استحقاقات البطالة ستنتهي أواخر ديسمبر الجاري، وبالإضافة إلى ذلك سيكون من اللازم سداد مدفوعات قروض الطلاب التي جمدها الرئيس دونالد ترامب حتى نهاية العام بأمر تنفيذي في يناير الماضي، في حين أن وقف عمليات الإخلاء السكني سينتهي في 31 ديسمبر.

لا شك أن الإبقاء على تدفق المساعدات الحكومية للعائلات الفقيرة يعد أمرًا بالغ الأهمية لتفادي تفاقم عدم المساواة، الأكثر تطرفًا من أية دولة صناعية أخرى، إذ يمتلك ثلاثة أشخاص هم بيل جيتس، وجيف بيزوس، ووارين بافيت ثروة تعادل نصف ما يملكه الشعب الأمريكي بأكمله، ولهذا فإنه من المرجح أن تسلط الجائحة الضوء على حاجة بعض ملايين العاطلين لإعادة التأهيل والتدريب وربما تغيير المسار الوظيفي، من أجل تأمين عمل مستقر يضمن مستقبل بالغ الغموض، أما الذين لن يستطيعوا إعادة التأهيل والتدوير الوظيفي، فسيكونون الأكثر عرضة للاعتماد على شبكة الأمان الحكومية، وربما سيواجهون مخاطر أكبر من الفقر.

يعتمد تعريف الحكومة الفيدرالية للفقر على تركيبة كل أسرة، ويُعدَّل هذا التعريف بشكل سنوي، وحالياً تصنف العائلة المكونة من أربعة أفراد والتي يبلغ دخلها السنوي حوالي 26 ألف دولار بأنها تحت خط الفقر، ويصبح الشخص فقيرا إذا قل دخله السنوي عن 12 ألفا و784 دولارا، بينما يعيش نحو 34 مليون أمريكي أغلبهم من السود تحت خط الفقر، أي 10.5٪ من السكان، وهذا هو أدنى معدل في بيانات التعداد منذ ستة عقود، لكن بالرغم من أن معدل الفقر الأمريكي هبط بين أبريل ويونيو الماضيين نتيجةً لتطبيق قانون الرعاية، إلا ارتفع مرةً أخرى مع بدء نفاذ المساعدات الحكومية وانتهاء تاريخها.

اللافت، أن بعض القطاعات الاقتصادية بدأت تتعافى من الركود بوتيرة أسرع من غيرها، وعلى سبيل المثال، فإن معدل البطالة في قطاع الصناعات التحويلية يصل إلى 5.2٪، حيث يبلغ متوسط أجور العاملين في هذا القطاع 28.81 دولارًا في الساعة، أما قطاع الترفيه والضيافة، حيث يكسب العمال 17.10 دولارًا في الساعة، فإن معدل البطالة يبلغ 16.3٪، وعموماً فإن البالغين من ذوي الدخل المنخفض هم الأكثر تضررًا من فقدان الوظائف، وخفض الرواتب بسبب الإغلاقات الأليمة.

لكن، من أجل تحقيق انتعاش أكثر ديمومة، فإنه يتعين على السلطات الفيدرالية توجيه أموال التحفيز لإنقاذ الصناعات الأكثر تضررًا، وعمَّالها المتضررون من ترك وظائفهم، فهؤلاء يمكن وصفهم بالريشة المعلقة في الهواء، إذ لا يملكون المال الكافي لشراء لوازم ضرورية مثل ورق التواليت، وحفاضات الأطفال، ومنتجات التنظيف والتعقيم، ودفع إيجارات الشقق، والفواتير الاستهلاكية المختلفة، وبالتالي يتعين على الفرقاء السياسيين من الديمقراطيين والجمهوريين التوافق على خطة تحفيز مالي مكافئة لأضرار الجائحة من أجل إنقاذ ملايين الفقراء. 

 

خاص_الفابيتا