الريادة العالمية للشركات المحلية والدعم الحكومي

04/02/2020 1
مازن القرني

تحلم الكثير من الشركات المحلية للوصول بمنتجاتها وخدماتها إلى الأسواق الإقليمية ومن ثم إلى العالمية، وذلك لبناء قيمة عالية للشركة وتحقيق المزيد من الدخل، كما تسعى كثير من الدول أن يكون لديها العديد من الشركات العالمية، تساعد في خلق قيمة عالية للاقتصاد، فما هو مفهوم الريادة العالمية؟ وما أهمية ذلك بالنسبة للدول والمنظمات؟

* مفهوم الريادة العالمية

اقصد بالريادة العالمية هنا هو مقدرة منظمة ما للوصول إلى أسواق دول أخرى وتقديم خدماتها ومنتجاتها، وبناء اسمها عالميا في القطاع الذي تعمل فيه والمنافسة في الابتكار على المستوى الدولي.

* أهمية الريادة العالمية

تكمن أهمية وجود شركات ريادية عالمية بالنسبة  لأي دولة، بالإضافة إلى مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وخفض مستوى البطالة، في أنها تحسن مستوى تنافسية الدولة وترفع من ترتيبها في المؤشرات الاقتصادية، ومن أهمها مؤشر التنافسية العالمي (Global Competitiveness Index) ومؤشر الابتكار العالمي Global Innovation Index) )، كما تساهم كذلك في جلب العملة الصعبة. بالإضافة إلى الفائدة المعنوية التي تجلبها تلك الشركات من التسويق للدولة، حيث أن كثير من الشركات العابرة للقارات ابرزت اسم دولها، وساهمت حتى في نشر ثقافة ذلك البلد.

أما بالنسبة لأهمية الريادة العالمية للشركات، فبالإضافة إلى تحسين كفاءة الإنتاج وزيادة الدخل، فإن الريادة العالمية تساهم في تمكين الشركة من الدخول إلى أسواق جديدة واكتساب خبرات أكبر وأعمق في العمل التجاري للمنظمة، مما يساهم في ارتفاع قيمة الشركة وعلامتها التجارية.

في العرف الاقتصادي الحديث هناك عدة مدارس في شأن التدخل الحكومي، فهناك مدارس ترفض التدخل الحكومي في السوق بالكلية، وتؤكد أن على الحكومة أن تكتفي بدور التنظيم، وتؤمن بأن الاقتصاد يصحح نفسه بنفسه. وهناك مدارس أخرى في المقابل تدعو إلى التدخل ومساهمة الدولة بنفسها في الاقتصاد عبر مؤسساتها العامة. وهناك مدرسة ثالثة تؤمن بأن على الدولة أن تقوم بدور المنظم والمشرع الاقتصادي وتقوم بدور الرقابة والتدخل المحدود للإصلاح وتحديد البوصلة والاتجاه العام.

الباحثة الاقتصادية في جامعة ساسيكس ماريانا مازكاتو والمهتمة بشؤون الابتكار والنمو الاقتصادي توصلت في بحث لها إلى أن جميع الشركات الأمريكية العابرة للقارات (آبل، جوجل، أمازون، ... الخ) لم تصل إلى هذا المستوى إلا بالدعم الحكومي (Governmental Fund) للمشاريع البحثية، فعلى سبيل المثال تقنية الجي بي اس ((GPS وتقنية شاشة اللمس والتي استفادت منها شركات عالمية كشركة آبل، كانت قد مولت من جهات عامة مثل وزارة الدفاع الأمريكية. ولم يقتصر الدعم على المجال التقني فحسب، بل حتى في المجال الطبي، فإن جزء كبير من الأدوية والعقاقير قد خرجت من تجارب في معامل حكومية عامة. 

وقد عززت الباحثة وجهة نظرها في أهمية ذلك إلى قدرة التمويل والدعم الحكومي على تحمل المخاطرة والقدرة على انتظار العائد المحتمل لسنوات عديدة، وهي من أهم خصائص المنتجات والمشاريع الابتكارية حيث أن نسبة المخاطرة فيها عالية نسبيا، والعائد المادي واستراد رأس المال في هذا النوع من الاستثمارات يتأخر بشكل عام.

هناك أيضا طرق أخرى كثيرة لدعم المنظمات للوصول إلى الريادة العالمية بخلاف الدعم المالي، وقد تكون بعضها أهم وأجدى، ولعل أبرزها إجمالا من وجهة نظري هي التالي: 

-تقديم الشركات المحلية  في منافسات المشاريع الحكومية، إما منفردة أو بتحالف مع شركات عالمية كبرى، ولعل وجود هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية تساهم في تعزيز هذا الأمر.

-الدعم الإعلامي والتسويقي والتعريف العالمي بالمنظمات المحلية الريادية في المحافل الدولية.

-ربط الجامعات ومحاضن ريادة الأعمال والابتكار بالسوق المحلية وشركاته، لتحقيق الفائدة المشتركة وتبادل الخبرات والمعرفة بين الجامعات وتلك الشركات.

-فتح الأسواق للتصدير الخارجي، ولعل هيئة تنمية الصادرات المستحدثة تساهم في هذا الشأن.

-مدافعة الحكومة قانونيا عن الشركات المحلية في حال تعرضها للتظلم والمنافسة اللا أخلاقية خارجيا.

-تسهيل وتحفيز أنظمة التوسع والوصول إلى الأسواق الإقليمية ومن ثم العالمية من بينية تحتية وقوانين مسهلة.

-تدريب وتأهيل قيادات وطنية لقيادة مثل هذه المنظمات.

-المساعدة في دمج الكيانات المتوسطة والصغيرة لتأهيلها للمنافسة الإقليمية ثم الدولية. 

تأتي ثمرة هذا الدعم لاحقا بعد أن تصبح الشركة في مكان المنافسة العالمية فيصبح بمقدورها أن تتحمل جزء من العبء الاقتصادي مع الدولة، وتقدم الدعم للمجتمع  والمنشآت الصغيرة الأخرى، ولنا في "أرامكو" و"سابك" و " الاتصالات السعودية" خير مثال حيث أصبحت تلك الشركات تساهم في الناتج المحلي الإجمالي مساهمة بارزة وواضحة، وتساهم كذلك في خلق ودعم كيانات صغيرة ومتوسطة، بالإضافة إلى توظيف وتدريب الكوادر البشرية.

إن علينا المواصلة في خلق كيانات قوية منافسة عالميا - كالشركات سابقة الذكر - تستطيع خوض غمار التنافسية ويكون خلفها سند وداعم، ولا يتأتى ذلك إلا بإدراك أهمية وجود مثل تلك الشركات في خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، والمساهمة في التنمية. ولا زلنا بانتظار إطلاق برنامج ريادة الشركات الوطنية ، والذي هو أحد برامج الرؤية، بأهدافه ومبادراته المختلفة، والذي سيسهم بلا شك في دفع تنافسية الشركات المحلية عالميا.

 في المقابل لا يفهم من هذا الرأي اتكاء المنظمات الربحية على الدعم الحكومي وانتظاره بل عليها السعي بكامل إمكاناتها وقدراتها، وخوض غمار التحديات، وإثبات استحقاقها للدعم والمساندة ابتداء، فثمرة الوصول إلى القمة تستحق كل ذلك.

وعلى دروب الريادة نلتقيكم

خاص_الفابيتا