سباق منظم نحو القاع

28/11/2018 2
محمد مهدى عبدالنبي

أكثر ما يميز الاسواق العالمية حاليا أنها تتحرك على رمال متحركة غائرة لا على أرض خصبة مستقرة، وربما تشكل مشاهد الاسابيع النهائية من عام 2018 ذروة جديدة لقضايا سلبية مفتوحة يتسلمها العام القادم بمنتهى الاضطراب، ولنا أن نرصد أحدث التفاعلات كما يلى :- 

اولا ... 30 نوفمبر 2018

تعقد فى الارجنتين قمة مجموعة العشرين على مستوى قادة الدول والتى يحضرها أكبر 20 أقتصاد يمثلون نحو 90 % من الناتج المحلى الاجمالى العالمى، ونحو 80 % من التجارة العالمية و66 % من سكان العالم ... 

ينتظر من هذا التجمع المؤثر أن يخرج الرئيسان الامريكى والصينى بأتفاق حقيقى يخفف من حدة ازمة الرسوم الجمركية بين البلدين، إلا أن اغلب الشواهد تؤكد استعداد ترامب لفرض المزيد من الرسوم على السلع الصينية ورفض الصين التنازل الفعلى عن خطتها الطموحة " صنع فى الصين 2025 " والتى تبلغ قيمتها نحو 300 مليار $ تدعم كل الصناعات الوطنية الحديثة فى البلاد خاصة التكنولوجية منها.

خففت الصين عبر وسائل اعلامها فى الفترة الماضية الحديث المفصل عن برنامج " صنع فى الصين 2025 " وابراز العناوين الايجابية الكبرى فقط لهذا التوجه الاقتصادى، وذلك لتلافى الصدام مع شركائها التجاريين فى اوروبا والولايات المتحدة الذين يشعرون بمخاطر المنافسة والبقاء فى الاسواق العالمية حال اكملت الصين برنامجها الهائل الذى يغرق العالم بطوفان من الصادرات الصينية زهيدة السعر ومتوسطة الجودة خاصة فى الاسواق الناشئة فى الدول كثيفة الاستهلاك وفى الاسواق المتقدمة خاصة بين الشرائح الضخمة لمستهلكى الطبقات الوسطى...

التنازل عن برنامج " صنع فى الصين 2025 " مطلب اساسى لتخفيف حدة الحرب التجارية التى يقودها ترامب ، لكن يبدو ان الصين ماضية فى طريقها حتى لو فرضت على كل صادراتها الى اوروبا وامريكا رسوما مضاعفة قد لا تستطيع الرد عليها بالمثل، وأنما عبر وسائل اخرى اكثر فاعلية مثل تقليص انشطة الشركات الاجنبية على اراضيها تدريجيا من خلال قوانين متدرجة تخدم توجه 2025 وكذلك الخفض المخيف لعملتها الوطنية اليوان امام الدولار الامريكى فوق مستوى 7 يوان للدولار الواحد، وهو ما يخدم ايضا نمو تدفق صادراتها للعالم.

ثانيا ... 6 ديسمبر 2018

أجتماع منظمة اوبك لمناقشة خفض مستويات إنتاج النفط لأستعادة توازن الاسعار التى فقدت ما يقرب من 31.8 % من أعلى قمة تحققت لخام برنت فى الثالث من اكتوبر الماضى عند 86.29 $ للبرميل، وهو ما يمثل تقريبا نصف المسافة فى سيناريو الهبوط المتسارع للنفط الحاصل فى عام 2014، مما يعزز تكرار مشهد القاع العشرينى لأسعار النفط كما حدث فى مطلع عام 2016.

معطيات جديدة بثوب قديم تناقشها اوبك لخفض الانتاج ابرزها اثر الجولة الثانية للعقوبات الامريكية على ايران بغية تصفير صادراتها النفطية بحلول النصف الثانى من 2019 و كذلك النمو القياسى للمخزونات الامريكية تزامنا مع منافسة حامية لرفع انتاج النفط بين كلا من المملكة العربية السعودية وروسيا.

الانتاج السعودى سجل فى بداية عام 2018 نحو 9.95 مليون برميل ووصل فى نوفمبر الجارى الى حدود 11 مليون برميل يوميا ... وكذلك الانتاج الروسى الذى ارتفع من 11.17 مليون برميل بداية العام الجارى ليفوق 11.6 مليون برميل يوميا حاليا.

تلك الرفعات الانتاجية بمستهدافاتها السياسية اكثر من الاقتصادية تعزز من الشك الكبير فى قدرة اتفاق اوبك وروسيا على الالتزام بتحقيق خفض انتاج النفط المطلوب و الذى يقدر بنحو 1.4 مليون برميل يوميا فى 2019، وهو ما يفتح الطريق للمزيد من الاسعار المتدنية للنفط التى تحمى ظهر ترامب داخليا بتوفير مليارات النفقات للمواطنين الامريكيين وتخلق حالة ايجابية للصين قد تدفعها للتجاوب المؤقت مع الطلبات الامريكية بشأن الازمة التجارية الراهنة.

ثالثا ... 11 ديسمبر 2018

تصويت البرلمان البريطانى على مسودة اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبى، حيث تتطلع رئيسة الوزراء تريزا ماى الى موافقة 320 عضو من اجمالى 639 عضو لتمرير الاتفاق الذى تبدأ اجراءاته الفعلية فى اخر مارس 2019 ...

إلا أن اجواء المعركة البرلمانية المنتظرة تشى بالكثير من الصعوبات التى تنسف الاتفاق وتعيد التشابك المعقد لخيوط بريكست مجددا، فيوما بعد يوم تزداد معارضة الاتفاق داخل البرلمان وخارجة من حلفاء ماى ... احدثهم وزير الدفاع البريطانى السابق مايكل فالون المقرب من ماى الذى رجح امس ضرورة وجود اتفاق جديد للخروج، وزاد عليه الرئيس الامريكى دونالد ترامب بأن الاتفاق الحالى لا يخدم ابدا المصلحة الامريكية ..

التوجه الداخلى البريطانى يسعى بالأساس لأقصاء تريزا ماى عن المشهد السياسى كردة فعل على ادائها المرتبك فى ملف بريكست ولتحقيق مكاسب افضل فى مواجهة الاتحاد الاوروبى الذى طالما انتقده ترامب ويسعى لتوسيع حربه التجارية القادمة على رقعته التى تتزعمها المانيا ميركل.

اخيرا ... تنظر الاسواق العالمية بعيون القلق البالغ إلى امتداد نتائج تلك التواريخ الثلاثة وما تسفر عنها من أثار سلبية محتملة تقودها الى قاع يتسع الجميع بعد قفزات تاريخية تحققت فى عام 2018 رغم ارتفاع درجة حرارة المخاطر الحالية ...