عرض كتاب «الدولة الريادية» «2»

18/09/2018 0
فواز حمد الفواز

في الجزء الأول عرضت تقديما لمادة الكتاب وأهدافه ومدى فرص الاستفادة العملية لنا في مجال السياسات الاقتصادية. أحد المعوقات الرئيسة الماضية للاستثمارات المركزة، خاصة "منظومة الإبداع" Innovation Eco- system المقادة من الدولة، يأتي في سوء فهم دور القطاع العام، وما تسميه الأساطير الاقتصادية التي تراكمت مع الوقت. أصبحت هذه الأساطير من القوة، حيث غيرت مجرى السياسات العامة، بل حتى إعاقات النقاش الهادئ المنطقي. في العلاقة بين النمو الاقتصادي والإبداع، هناك مقولة تتردد كثيرا: ينبغي للحكومة ألا تختار الفائزين بين القطاعات والأعمال، إنما تترك للمنافسة بين الأعمال والشركات والمبادرين. أحد جوانب التحدي يكمن في عدم قدرة الحكومات على الدفاع عن أدوارها في ظل الضغط الهائل مصلحيا وإعلاميا ومعلوماتيا دون تمحيص.

هناك مزج في المنظار التقليدي بين دور الحكومة وفشل السوق؛ فليس هناك استعداد للاستثمار في الأبحاث الأساسية طويلة الأجل أو الاستعداد لتحمل تكلفة الجوانب الخارجية externalities مثل التلوث أو البنية التحتية. فالخطوات الحكومية في الصناعة "مخفية" كي لا يكون هناك رد فعل من اليمين السياسي. ولكن الحقيقة أن الحكومة تجرأت وبدأت البحث والتطوير في الشبكة العنكبوتية وصناعات الأدوية والفضاء والنانو والطاقة البديلة، وهذا بدوره وسع المجال لشبكة غير مركزية، ما خفض التكاليف وجعل المخاطر ممكنة ومحسوبة، ومكن التطوير والمتاجرة أن تحدث ديناميكيا - دخول الشركات الخاصة والمستثمرين. قبل الدخول في تعداد الأساطير، دعونا نراجع العلاقة بين التقنية والإبداع والنمو والتغير المؤسساتي. لنحو 250 عاما سيطر على الفكر الاقتصادي "اليد الخفية" - كما قدمها آدام سميث - إلى أن جاء كارل بوليني Polanyi - وهو محام - لكنه أصبح من أبرز مؤرخي الاقتصاد السياسي، الذي قال "الطريق إلى السوق الحرة فتح وبقي مفتوحا بسبب تدخلات مؤثرة ومحسوبة ومستمرة من قبل الحكومة". في عام 1944؛ المعاصر له وأكثر تأثيرا كان كينز، الذي قنن دور الحكومة عمليا، لكنه ركز على الاستقرار وتجنب الأزمات.

ولكن قياس النمو تأخر نسبيا، فمثلا ذكر سول Solow أن اليد العاملة ورأس المال لا تفسر 90 في المائة من النمو في الخمسينيات. تدريجيا، أصبحت التقنية والمعرفة والقدرات التنظيمية جزءا من المعادلة. المهم هنا - كما يذكر الكتاب - ليس المستوى المطلق في البحث والمعرفة والتقنية، لكن مدى انتشارها وتداولها في المجتمع. تقول المؤلفة إن التغير المجتمعي لا يحدث بسبب حالة توزيعية مستقرة للمعارف، لكن من خلال تغيير هيكلي يقبل بالتفاعل مع التقنية. ليس دور الحكومة إيجاد المعرفة من خلال معامل وطنية وجامعات فقط، لكن في تسخير وتعبئة الموارد التي تسمح بالإبداع والمعرفة أن تتغلغل في المجتمع. التفكير السليم يتطلب إعادة التفكير في بعض المفاهيم حتى الأساطير التي نسجت على مدى عقود. التنويه بهذه الأساطير والافتراضات مهم، لأنها تشكل قاعدة معرفية مشوهة في الخيارات والخطوات العملية في السياسة الاقتصادية، والأخطر في سياقنا أن تعطي وهما بالمعرفة السطحية.

الأولى، أن كل الإبداع يأتي بسبب "أبحاث وتطوير- R&D" والعلاقة الخطية بينهما، لكن تقول ماريا إن لب الفرضية خطأ، وإن كان هناك بعض العلاقة. الثانية، ما تعبر عنه مقولة "أن كل صغير جميل" إذ إن هناك توجها حثيثا لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، لكن أغلب الإبداع لا يحدث فيهما. الثالثة، أن رأس المال المخاطر Venture capital يعشق المخاطرة، لكن المخاطر تختلف حسب المرحلة من ناحية وتختلف حسب كفاءة الوسط الاستثماري من ناحية أخرى. الرابعة، أننا نعيش في الاقتصاد المعرفي - انظر فقط إلى براءات الاختراع كلها! لكن ليس هناك علاقة سببية بين عدد براءات الاختراع وتحويل الإبداع إلى أعمال تجارية، فالأنظمة غالبا أكثر أهمية. الخامسة، نجاح الأعمال يتطلب ضرائب وبيروقراطية أقل. إن تعقيدات النظام الضريبي والبيروقراطي تحمل بما يكفي للاستغلال والتحفيز والتثبيط، لذلك العلاقة ليست متجانسة، فعلى صانع السياسة توخي الحذر والحرص.

 
 
نقلا عن الاقتصادية