الدولة الريادية .. وتشكيل السوق «1»

11/09/2018 0
فواز حمد الفواز

صدرت النسخة الجديدة في 2018 لكتاب "الدولة الريادية"The ENTREPRENEURIAl STATE - debunking public vs private sector myth لأستاذة اقتصاد الإبداع والقيمة العامة في كلية جامعة لندن مريانا منزكاتو. عنوان الكتاب الفرعي فضح أساطير القطاع العام مقابل القطاع الخاص. للكتاب أهمية فكرية كما في نظري له علاقة وثيقة للمرحلة التي تمر بها المملكة اقتصاديا، ولذلك فضلت استعراضه وليس مراجعته في عمود واحد فقط. تقول مريانا إن أساس العقلية الاقتصادية التقليدية السائدة مردها أيديولوجي جر إلى مصالح يخدمها جيش من مجموعات الضغط والدعاية والمراكز الأكاديمية والفكرية.

مادة الكتاب إدارة الاستثمارات والإبداع ودور القطاع العام في تأسيسه وتوجيهه ليكون أكثر إسهاما في النمو الاقتصادي وتوزيع الدخل. دللت تجربة الأزمة المالية العالمية والمشاكل الاقتصادية التي نتجت عنها، خاصة أنها بدأت في القطاع المالي الأمريكي، حيث الخسائر يتحملها القطاع العام، بينما الأرباح يستأثر بها القطاع الخاص. ينوه الكتاب إلى أن على الحكومة أن تأخذ الريادة في الاستثمارات وبعين على إدارة الإبداع والاختراعات بنظرة تستقطب كل القوى الاقتصادية بما فيها القطاع الخاص. تدعو الحكومة أن تفكر بتوسع وطموح ولا تقبل ما روج له كثيرون، خاصة بعد توصيات "إجماع واشنطن" لاقتصار دور الحكومة على المنظم والتخصيص والتسنيد وإعطاء القطاع الخاص أكبر قدر ممكن في إدارة الاقتصاد. تقول إن بعض المبادرات الحكومية ستفشل إلا أن على القطاع العام أخذ المخاطر وتغيير نوعي في الدور.

ترى أن على الحكومة أن تتخلص من فكرة أن "السوق" تحتاج تعديلا هنا وهناك لتعويض قصورها وعيوبها إلى أن تقوم الحكومة بتشكيل السوق وإدارتها بما في ذلك تحديد دور القطاعين. نقطة البداية قبول حقيقة دور الحكومة واستحقاقته الواضحة والتخلص من تمجيد القطاع الخاص. مصدر الخطأ نبع من فهم خاطئ لطبيعة النمو الاقتصادي ودور القطاع العام في تحفيز ونشر الإبداعات والاختراعات حتى دور الحكومة في المال المخاطر venture capital في تأسيس تقريبا كل الصناعات الجديدة والاختراقات العلمية في جميع المجالات الإلكترونية والفضاء والطاقة والاتصالات والأدوية والطاقة المتجددة، بينما القطاع الخاص انغمس في الأمور المالية. فمثلا، في العقد الأخير صرفت الشركات المكونة لمؤشر S&P 500 أربعة تريليونات دولار لشراء أسهمها من السوق. تأخذ من تجربة أمريكا والشركات المؤثرة مثل "أبل" و"تسلا" و"أمازون" و"جوجل" و"أنتل" أن للقطاع العام دورا محوريا مباشرا وغير مباشر في تأسيسها.

لا تنكر دور عبقرية ستيف جوبز وأمثاله، لكن تقول إنه لا يمكن أن يحقق الـ"آيفون" هذه الأرباح المهولة دون التقنيات التي طورها القطاع العام. تقول إن الإشكالية دائما في إدارة القطاع العام، خاصة الاستثمارات، ولعل هذه الجزئية هي الأهم بالنسبة لنا على الرغم من أهمية الكتاب ككل في دحض بعض المفاهيم السائدة لدينا اقتصاديا. في هذا السياق تذكر مقارنة بين تجربة ألمانيا من جهة وتجربة اليونان وإيطاليا من جهة أخرى، فليست المشكلة في المصروفات الحكومية، لكن في نوعيتها، فالدول الأكثر نجاحا تستثمر في التعليم والأبحاث التطويرية والاستثمارات الاستراتيجية، بينما الأقل نجاحا تذهب المصروفات إلى الاستهلاك، خاصة من خلال قطاع عام يتميز بتكاثر الموظفين على حساب الاستثمارات المركزة.

لا يتحدث الكتاب عن الدول النامية تحديدا، لكن - كما هو معروف - يأخذ القطاع العام دورا أكبر في اقتصاديات هذه الدول. توظف مريانا طريقة وأسلوبا مقنعا ومنطقيا تضمن إرشادات ونصائح لصانعي ومنفذي السياسة الاقتصادية. على مدى أسابيع سأستعرض تفاصيل الكتاب لعلنا نستفيد في إعادة تشكيل السوق وتحوير دور القطاع العام، خاصة في النواحي الاستثمارية والمراهنة على الإبداع والأبحاث والتعليم والاستثمارات المركزة، كي يتمكن القطاع الخاص ويفيد ويتحول للبحث عن الريع الاقتصادي إلى مساهم فاعل في الحراك والنمو الاقتصادي ويصبح اقتصادنا أقرب إلى شبكة عضوية متكاملة ومتفاعلة.

 

نقلا عن الاقتصادية