الدور الأميركي في هبوط الأسواق الناشئة

10/09/2018 1
د. عبدالله الردادي

الخوف من انتقال عدوى أزمة الأسواق الناشئة أصبح هاجس كثير من الدول ذات الصلة، لا سيما بعد الأوضاع في عدد من الدول ذات الاقتصادات الناشئة، ففي جنوب أفريقيا انخفضت العملة إلى أقل مستوى لها منذ عامين وزاد معدل البطالة إلى 27 في المائة، كذلك إندونيسيا التي انخفضت روبيّتها إلى أقل مستوى لها منذ 20 سنة، والهند التي انخفضت عملتها مقابل الدولار 10 في المائة منذ بداية هذا العام، ولكن أكثر الدول تضرراً حتى الآن هما الأرجنتين وتركيا؛ فقد خسرت الأرجنتين 50 في المائة من قيمة عملتها، منذ بداية هذا العام، وزادت معدل الفائدة إلى 60 في المائة بداية هذا الشهر، وبدأت خطة تقشف قاسية، مخفّضةً عدد الوزراء من 19 وزيراً إلى 10 وزراء، وحتى مع اقتراضها 50 مليار دولار من صندوق النقد الدولي - وهو أعلى قرض منحه الصندوق على الإطلاق - ما زالت الأرجنتين تعاني من أجل طمأنة المستثمرين على مستقبل الاقتصاد الأرجنتيني.

والوضع في تركيا مشابِه إلى حد ما، وإن يكن لم يصل إلى هذا سوء الوضع الأرجنتيني، فالليرة التركية خسرت 40 في المائة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام، وزادت نسبة التضخم على 18 في المائة، إلا تركيا لم تلجأ إلى صندوق النقد الدولي حتى الآن، ولم ترفع سعر الفائدة بسبب رفض الرئيس التركي الذي صرَّح أكثر من مرة بأن تركيا تتعرض إلى حرب اقتصادية، ولعله يقصد الولايات المتحدة، فهل للولايات المتحدة فعلاً دور في الوضع الحاصل في تركيا؟ أو حتى بقية الدول ذات الاقتصادات الناشئة؟

للحالة الاقتصادية في أميركا علاقة بما يحصل في الأسواق الناشئة بعدَّة أشكال، فالولايات المتحدة تشهد تعافياً اقتصادياً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، وسواء دان الأميركيون بهذا الفضل للرئيس ترمب أو سابقه أوباما كما تكثر النقاشات هذه الأيام، فهذا لن يغير واقع الانتعاش الاقتصادي في أميركا؛ ففي الربع الثاني من هذا العام، بلغت نسبة النمو في أميركا 4.1 في المائة، بينما لم تتعد هذه النسبة 1.5 في المائة في دول الاتحاد الأوروبي.

إضافة إلى هذا الانتعاش، فإن السياسات الأميركية الأخيرة ومنها خفض الضرائب المفروضة على بعض الشركات، ورفع معدل الفائدة الذي جعل الاستثمار في المصارف الأميركية أكثر ضماناً وسهولة من الاستثمار في الأسواق الناشئة، أدت إلى نزوح رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة إلى الولايات المتحدة، وكما هاجرت هذه الأموال من الولايات المتحدة إلى الأسواق الناشئة إبان الأزمة المالية قبل عقد من الزمن، ها هي الآن تعود للولايات المتحدة بعد أن تغيرت الأحوال.

ونتيجة لبيع المستثمرين أسهمهم وسنداتهم في الأسواق الناشئة، انخفضت مؤشرات هذه الأسواق، وهي نتيجة مباشرة لزيادة العرض في الأسواق المالية.

وعلى جانب آخر، فقد زاد الدولار قوة مقابل العملات الأخرى، ولم تستبشر الدول المقترضة بالعملات الأجنبية مثل تركيا والأرجنتين بهذا الارتفاع، فرجال الأعمال المقترضون بالدولار لتمويل استثماراتهم المحلية، سيحصلون على أرباحهم بالعملة المحلية سواء كانت البيزو الأرجنتيني أو الليرة التركية، وهذا ما يقلل من ربحية هذه الاستثمارات، وما زاد الطين بله هو انخفاض العملات المحلية نفسها، مما أكد خسارة هذه الاستثمارات، وسبّب التضخم الحاصل. بالمقابل، فإن البنك الفيدرالي الأميركي رفع نسبة الفائدة للإقراض من 0.25 في المائة في عام 2014 إلى 2 في المائة في الوقت الحالي، مما جعل إعادة التمويل شبه مستحيلة للدول التي تريد الاقتراض بهدف التوسع أو سد العجز (وهما الهدفان الأساسيان من اقتراض تركيا والأرجنتين بالعملات الأجنبية، وسبب رئيسي في تفاقم الأزمة الاقتصادية).

فهل يقع اللوم بعد هذا كله على الولايات المتحدة في الأزمتين التركية والأرجنتينية؟ بعيداً عن نظريات المؤامرة، فإن الولايات المتحدة لا تبدو مكترثة لانهيار الاقتصاد التركي، بدلالة فرضها رسوماً جمركية إضافية على الحديد التركي كوسيلة ضغط سياسية على تركيا حتى تفرج عن الأسير الأميركي كما أنها لم تأبَه بالتأثير السلبي الممكن على الأسواق الناشئة، الذي قد ينتج من فرض الرسوم الجمركية على الصين، ولكنها بالمقابل موَّلَت الأرجنتين من خلال صندوق النقد الدولي لإنقاذها من كارثتها الاقتصادية.

وسواء وقع اللوم على أميركا أم لا، فلا إنكار أنها استفادت من هجرة رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، فوجهة هذه الهجرة هي الولايات المتحدة بلا شك، لا سيما مع حالة الانتعاش الاقتصادي الحالي، التي تزداد انتعاشاً مع عودة رؤوس الأموال إليها، ولو خُيّرت الولايات المتحدة، لاختارت الوقت الحالي لهبوط الأسواق الناشئة، كونها تشهد تعافياً يزيدها جاذبية للاستثمارات، حتى وإن لم تهبط الأسواق الناشئة.

 

نقلا عن الشرق الأوسط