الحضارة العربية الإسلامية .. ومبادئ الرأسمالية

09/07/2018 0
د.صالح السلطان
الرأسمالية نظام اقتصادي يستند على أن السوق أحسن آلية لحصول الناس على أغلب السلع والخدمات. أي باستثناء سلع وخدمات ذات طبيعة خاصة بها. ولذا، تسمى الرأسمالية أحيانا "اقتصاد السوق". ويستلزم ذلك أن تكون عناصر إنتاج تلك السلع والخدمات تحت سيطرة الأفراد والقطاع الخاص. ظهرت التصورات الرأسمالية بوضوح في الغرب مع الثورة الصناعية، التي صحبتها تغيرات سياسية وثقافية واجتماعية. وهي كغيرها من المذاهب، من الممكن أن تفهم وتفسر تفسيرا بأكثر من فهم وتفسير. السؤال التالي، ما النظام السائد في الغرب قبل الرأسمالية؟ الجواب: النظام الإقطاعي. ولا يتعارض ذلك مع وجود بعض صور الملكية الفردية الضعيفة نسبيا. ما النظام السائد في بلاد المسلمين؟ لا شك أن النظام الاقتصادي السائد في المجتمعات الإسلامية تغلب عليه سيادة الملكية الخاصة، وهيمنة الأفراد والشركاء على عناصر الإنتاج. هذا من حيث المبدأ والأصل، وإلا فهناك استثناءات. وكون الملكية الخاصة محترمة هو ما يتفق مع أحكام البيع وتوابعه الشرعية، التي تعطي وزنا كبيرا لحرمة المال العام أو الخاص.

يقول سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم". طبعا، ليست كل الممارسات التجارية في أي مجتمع بشري، بما في ذلك المجتمع الإسلامي، خالية من المخالفات. الرأي السائد لدى مجموعة معتبرة من المؤرخين الغربيين، أن احتكاك الغرب بالمسلمين، خاصة عرب الأندلس إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، كان له أثر كبير فيما حصل للغرب لاحقا من تطورات أنتجت ما يسمى "الثورة الصناعية". وهناك كتابات كثيرة حول هذا الموضوع، مثل كتاب "شمس العرب تسطع على الغرب"، للمستشرقة الألمانية سيجريد هونكه. والكتاب متاح في مكتبات عامة أو تجارية. الكلام السابق ينطبق على أمور الاقتصاد. تعرف الغرب على عيوب النظام الإقطاعي، وميزات اقتصاد السوق والملكية الفردية، وهي أهم مبادئ تقوم عليها الرأسمالية. وطبعا لا يعني ذلك أن الغرب أخذ ما كان عند المسلمين بحذافيره. تعرضت الرأسمالية إلى التطور والتعديل عبر السنين.

وأغلب اقتصادات العالم، وعلى رأسها الاقتصادات الغربية، توصف في الوقت الحاضر بأنها اقتصادات مختلطة mixed economies. فيها تكون حرية السوق هي الأصل، مع إخضاع كثير من قوى السوق لتنظيمات وقوانين السلطة، وبعض عناصر الإنتاج تمتلكها الحكومات لاعتبارات كثيرة، من حقوقية واقتصادية وسياسية، وهي اعتبارات تتفاوت شكلا وقوة بين الدول. التطورات والتغيرات الكبيرة جعلت رأسمالية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر جزءا من التاريخ. وفئة من الكتاب المعاصرين يتصورون أو يصورون الاقتصادات الغربية حاليا، بالصورة التي كانت عليها الرأسمالية أيام كارل ماركس وآدم سميث. وهذا غلط. ينبغي فهم الفكر الرأسمالي وتطور الرأسمالية في الغرب في إطار فهم التطور الصناعي وتطور الاقتصاد وتطور حقوق العمال. ذلك لأن التطور الصناعي وتطور الاتصالات والمواصلات في القرون، السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر، كان بسيطا، مقارنة بالقرن العشرين، ولم تكن هناك منشآت لها قدرة على الهيمنة على الأسواق أو اليد العاملة، وكانت القوانين والأعراف الخاصة بالعمل وحقوق العمال كأيام الإجازات وساعات العمل والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي أصلا ضعيفة، وتعد غير منصفة للعمال، مقارنة بالتشريعات العمالية القائمة الآن. طبيعة التوسع والتطور الصناعي والتقني في الغرب منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حفزت منشآت إلى تكوين تكتل trust لتسهيل أعمالها وزيادة أرباحها.

وقد جنحت هذه التكتلات إلى التضييق على دخول المنافسين بهدف إبقاء الأسعار أعلى من الأسعار التنافسية، هذه الأحداث دفعت المشرعين في دول غربية إلى إصدار قوانين سميت antitrust التي تعني مكافحة التكتل والاحتكار. وتوسعت هذه القوانين مع الوقت لتشمل تصحيح تشوهات السوق، ومكافحة الممارسات المعطلة لقواه، وحماية للمستهلكين، قد أصبحت هذه القوانين، من كثرتها وتشعبها وتعقيدها، مثل البستان الضخم الذي نما من بذور بحجم قبضة اليد. ومع ذلك، فإن مكافحة الاحتكار ليست خالية من العيوب، فقد يرى كثيرون أن الاحتكار أو التكتل يجلب، في حالات، تحسينا في الكفاءة الاقتصادية. أما من جهة العمال، فقد طور عديد من الدول مع مرور السنين مجموعة واسعة من التشريعات التي أعطت مزيدا من الحقوق والمزايا للعمال، وكان لنقابات وأحزاب العمال نصيبها الواضح في هذه التطورات. وما زالت ممارسة بعض الأنشطة محل أخذ ورد، فهل الأنسب إسنادها إلى القطاع العام أم الخاص؟ ولا أنوي التفصيل، لأنه موضوع طويل في حد ذاته.

نقلا عن الاقتصادية