انعكاس زيادة أسعار النفط على القطاع والاقتصاد العالمييَن

27/05/2018 0
وليد خدوري

بدأت انعكاسات زيادة الأسعار تترك بصماتها على الصناعة النفطية والاقتصاد العالمي. وهذا أمر متوقع في ظل الظروف التي ارتفعت فيها الأسعار لتبلغ نحو 80 دولاراً للبرميل. فقد برزت معطيات جديدة على الساحة النفطية، خصوصاً في الولايات المتحدة، حيث أخذ يظهر سقف إمكان زيادة صادرات النفط الصخري إلى نحو 3 ملايين برميل يومياً، ما دفع بيوت خبرة نفطية أميركية عدة إلى توقع بلوغ الأسعار نحو 100 دولار في الفترة المقبلة. في الوقت ذاته، أدى ارتفاع الأسعار إلى عودة المخاوف من الآثار السلبية على الاقتصاد الدولي، خصوصاً ارتفاع معدلات التضخم. وهذا ما دفع وزير الطاقة السعودي خالد الفالح إلى توجيه رسالة شفهية الأسبوع الماضي باسمه وباسم وزير النفط الإماراتي ووزير النفط الروسي، تطمئن وزير النفط الهندي إلى الجهود التي تبذلها الدول المنتجة لاستقرار الأسواق.

هناك تخوف شائع لدى مراقبين نفطيين أميركيين لسقف صادرات النفط الصخري، في غياب معلومات رسمية عن طاقة التصدير الأميركية، لعدم توافر معلومات رسمية عنها، خصوصاً من إدارة معلومات الطاقة. وتبلغ صادرات النفط الصخري الأميركي حالياً نحو مليوني برميل يومياً. ويشير الكثير من المراقبين إلى صعوبة تجاوز الصادرات حاجز 3.50 مليون برميل يومياً، نظراً للنقص في البنى التحتية للتصدير. فهناك نقص في منشآت التخزين والتحميل والتواصل ما بين خطوط الأنابيب، إضافة إلى قلة عدد الخطوط البحرية للموانئ. وازدادت حدة النقص في البنى التحتية، نظراً إلى شح الأموال الاستثمارية خلال فترة انهيار الأسعار ما بين الأعوام 2014-2016. ولا يمكن تجاوز هذه العقبات، كما هو متوقع، من دون ضخ استثمارات ضخمة خلال العامين المقبلين.

يبلغ مجمل الإنتاج النفطي الأميركي حالياً 9.5 مليون برميل يومياً. ويتوقع زيادة إنتاج النفط الصخري نحو مليون برميل يومياً لتحسن اقتصادات إنتاجه مع زيادة الأسعار.

وبالفعل، نجد أن الصادرات الأميركية ارتفعت خلال الفترة الحالية نحو 1.7 مليون برميل يومياً عن السنة الماضية. ويحذر المراقبون، من أن في حال استمرار زيادة الإنتاج بهذه المعدلات العالية، ستجد الولايات المتحدة، مع محدودية طاقة منشئات البنى التحتية، صعوبة في زيادة التصدير. ما سيخلق معضلة لشركات النفط الصخري، التي تحقق أرباحاً عالية من التصدير بدلاً من التسويق محلياً. والسبب هو الفرق العالي ما بين سعر نفط «برنت» في الأسواق الدولية وسعر نفط «غرب تكساس الوسيط» في السوق الأميركية، والبالغ نحو 7 دولارات للبرميل لمصلحة «برنت» خلال الأسبوعين الماضيين.

يشكل سقف الصادرات النفطية الأميركية، في ظل ارتفاع الأسعار، معضلة في الأسواق، ليس فقط في عدم لعب النفط الأميركي دوراً أساسياً شبيهاً بما تقوم به الدول المصدرة الكبرى في استقرار الأسواق من خلال تقليص الصادرات أو زيادتها. إذ يؤدي هذا السقف المحدود إلى زيادة التكهنات لإمكان زيادة الأسعار إلى معدلات قياسية. وبدأت هذه التكهنات تصدر فعلاً، إذ توقعت دور خبرة نفطية أميركية زيادة الأسعار إلى نحو 120 دولاراً في الأشهر المقبلة. وعلى رغم الشكوك بهذه التوقعات، فما سيزيد من تكرارها هو الفترة الزمنية المطلوبة (نحو سنتين تقريباً) التي ستحتاجها الصناعة النفطية الأميركية لتشييد البنى التحتية اللازمة لاستيعاب زيادات التصدير. كما تزيد المخاوف التصريحات الصادرة عن الإدارة الأميركية (خطاب وزير الخارجية بومبيو في مؤسسة «هيرتج» الأسبوع الماضي) بإنزال أشد العقوبات الممكنة بحق إيران، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. وتدل التوقعات المبنية على التجربة السابقة لمقاطعة النفط الإيراني، إلى إن الصادرات الإيرانية ستتقلص نحو مليون برميل يومياً، عندما ستطالب واشنطن الشركات النفطية بإلغاء عقودها التسويقية مع إيران في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

اتصل وزير الطاقة السعودي خالد الفالح هاتفياً الأسبوع الماضي بوزير الطاقة الهندي، وذلك بعد تشاور الفالح مع الوزير الروسي ، إذ تعتبر روسيا اكبر دولة منتجة غير عضو في «أوبك» في «مجموعة الـ24»، وزميله وزير الطاقة الإماراتي وهو الرئيس الدوري الحالي لمنظمة «أوبك». وأكد الفالح التزام الدول المنتجة باستقرار الأسواق، وان السعودية، إضافة إلى الدول المنتجة الأخرى ستضمن توافر إمدادات كافية للتعويض عن أي نقص قد يحصل في حال انخفاض الإمدادات. ويتوقع إن التأكيد للوزير الهندي قد استند على توافر الإرادة لاستقرار الأسواق، والتنفيذ من خلال الطاقة الإنتاجية الفائضة المتوافرة حالياً والتي تزيد على 3 ملايين برميل يومياً.

وتتخوف الدول المستوردة للنفط، عند ارتفاع الأسعار، من أخطار زيادة التضخم. وقد زاد استيراد الهند من النفط الخام والمنتجات البترولية هذه السنة نحو 40 المئة قياساً إلى العام الماضي.

تشير مصادر نفطية إيرانية إن العقوبات الأميركية ستؤدي إلى صعوبات ستؤخر البرنامج المخطط له لإنتاج 4.2 مليون برميل يومياً من النفط الخام. وتشير معلومات سكرتارية “أوبك» إلى أن معدل الإنتاج الإيراني في أيار (مايو) الماضي بلغ 3.8 مليون برميل يومياً. وتعتبر الصين والهند أكبر دولتين مستوردتين للنفط الإيراني.

تأخذ الأزمة الأميركية- الإيرانية بعد خطاب وزير الخارجية الأميركية في معهد «هيرتاج» الأسبوع الماضي، أبعاداً أكثر بكثير من مواجهة مقاطعة نفطية. فالمطالب الأميركية من طهران تتعدى المقاطعة والحصار الاقتصاديين، إلى مطالب سياسية واستراتيجية من الصعب على طهران القبول بها من دون مقاومة، ومحاولة تأجيلها بقدر المستطاع حفاظاً على ماء الوجه على الأقل. وتشكل المطالب الأميركية، إضافة إلى المقاطعة، تحدياً صريحاً لتوسع نفوذ إيران الإقليمي، والتخلي عن تطوير برنامج الصواريخ الباليستية أو برنامجها النووي. فالرفض الإيراني قد يدفع إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى تصعيد معارضتها لسياسات نظام الحكم الإيراني. ويذكر أن المقاطعة بحد ذاتها ستؤدي إلى صورة حالكة أكثر للاقتصاد الإيراني وللنظام، الذي يعاني من مظاهرات مستمرة في مختلف أرجاء البلاد.

وعلى رغم تواجد طاقة إنتاجية إضافية عند الدول المنتجة الكبرى، خصوصاً دول الخليج العربي وروسيا، تستطيع تعويض انخفاض الإنتاج الإيراني أو وضع سقف للصادرات الأميركية، تتخوف الأسواق من العوامل غير المستقرة التي تؤدي إلى اختلال ميزان العرض والطلب العالمي.

نقلا عن الحياة