مراجعة قانونية لعقد التمويل السكني المدعوم

23/05/2018 6
عاصم العيسى

(رسالة مفتوحة إلى اجتماع مجلس الشورى مع معالي وزير الإسكان, المُقرر في 15 رمضان)

باستقراء عقود التمويل التي تُبرمها البنوك وشركات التمويل لغرض تمويل بناء المساكن, نجد أنها غالباً ما تلجأ إلى صيغة: عقود التأجير المُنتهي بالتمليك, تلك الصيغة التي أعطت للبنوك مزايا وضمانات وإن كانت على حساب العميل المُتمول, أو على حساب العدالة واستقرار مراكز الأطراف بما يتوافق مع الحقيقة والواقع لا صورية العقود.

وللتوضيح, أستشهدُ بالصك القضائي الصادر عن المحكمة العامة بمحافظة جدة ذو الرقم (361324874) والتاريخ 15/11/1436هـ, وملخص موضوعه أن عميلاً للبنك قد حصل على تمويل لشراء منزل سكني له, بعقد تأجير منتهي بالتمليك, دفع منه أكثر من نصف إجمالي مبلغ التمويل ثم تعثر العميل لأشهر, فتقدم البنك بدعوى ضد عميله أمام المحكمة للمطالبة بفسخ عقد الأجرة استناداً إلى أحد بنود الاتفاق بين الطرفين والذي ينص على أنه (في حال توقف العميل (المستأجر) عن دفع الإيجار فللممول (المؤجر) الخيار بين أن يُطالب بالاستمرار في العقد والمطالبة في حق الإيجار وبين أن يفسخ حق الإيجار ويتصرف بالعين تصرف المالك في ملكه من بيع أو إيجار أو غير ذلك), وقد صدر حكم المحكمة بأولاً: فسخ العقد المُبرم بين الطرفين, وثانياً: بإلزام عميل البنك بتسليم العقار للبنك, وثالثاً: بإلزام العميل بدفع الأجرة حتى تاريخ الحكم بمبلغ فاق المليوني ريال, وقد صادق الاستئناف بالأكثرية على الحكم (وقد تطرقتُ إلى هذا الصك بالدراسة التي شاركتُ فيها بعنوان "المنظومة التشريعية ذات العلاقة بالتنمية الاقتصادية" والتي قُدمت إلى منتدى الرياض الاقتصادي لعام 1439هـ). 

إن الخلل الذي حصل في القضية المذكورة والذي لا يقبله شرع أو نظام, منشأه أن حقيقة العقد كانت تمويلاً وهو عمل مصرفي يريد منه البنك الإقراض والحصول على ربحه مع ضمان حقوقه، في حين أن صورته إيجاراً بوعدٍ تمليك، فكان الأثر مُجانِباً للعدالة، حيث دفع العميل جميع الأقساط لسداد التمويل واعتبرت أجرة في حين أن قيمتها أضعاف سعر السوق للأجرة، ناهيك عن فقد العميل لكامل عقاره بالرغم من سداده ما يزيد على نصف التمويل.

إن ما سبق ينطبق حرفياً على عقود "التمويل السكني المدعوم من صندوق التنمية العقارية" المُبرمة بين شركات التمويل والبنوك مع المواطنين، وهي مُصاغة بحيث يستطيع المُمول سحب العقار في حال تعثر العميل المواطن في بعض أقساطه, واعتبار كامل ما سدده أجرة, ناهيك على أن العقد ينص أيضاً على أنه: "إذا ما تأخر العميل عن سداد دفعتين متتاليتين من القيمة الإيجارية المتفق عليها, فللممول إشعار المواطن كتابة بسرعة السداد خلال سبعة أيام, وفي حالة عدم الاستجابة فيحق للممول ودون الرجوع إلى العميل فسخ عقد الإيجار والتصرف بالعقار تصرف المالك في ملكه وذلك بكافة أنواع التصرف دون تحديد, وعلى سبيل المثال لا الحصر بالبيع أو الإيجار للغير, ويتعهد المواطن العميل تعهداً غير مشروط ولا رجعة فيه وغير قابل للنقد بإخلاء العقار محل التعاقد خلال مدة سبعة أيام من انتهاء مهلة السداد".

إن مثل هذه الشروط أحادية الجانب والتي راعت مصلحة البنك المٌطلقة, دون أن تُراعي حالات المواطنين وضمان حقوقهم في الجانب المقابل, يتطلب وقفة رقابية مسؤولة من الجهة الإشرافية على برامج الإسكان, وتمويله, والتي تهدف لا شك إلى التيسير على المواطنين لتمكينهم من السكن المناسب لهم, لا لتوريطهم بعقود لا تحميهم عند الاقتضاء، وألا يُترك صياغة هذه العقود - والتي تخص المواطنين ولا تتوقف الوزارة عن الدعوة والترويج لها - إلى البنوك وشركات التمويل وحدها, إنما يجب مراجعتها بحيث تحمي الطرفين, تحمي المُمولين لحمايتهم من المُماطلين وضمان السداد, وتحمي المواطنين المُتمولين من الإضرار بهم أو استغلال حاجتهم.

وأشير إلى أنني اطلعتُ وراجعتُ صيغ العقود المُرتبطة بالموضوع, وهي: (عقد الدعم السكني) المُبرم بين الصندوق والبنك المُمول والمواطن المُتمول, والخاص بتنظيم مبلغ الدعم، والعقد المُبرم بين البنك والعميل، وكذلك (الاتفاقية بين صندوق التنمية العقارية والمُمولين لطرح برنامج التمويل السكني المدعوم من صندوق التنمية العقارية), والمكونة من (23) صفحة, ووجدتها مُصاغة بعناية لحماية الصندوق العقاري, وحماية ضمان مبلغ الدعم الممنوح من الصندوق, في حين لم أجد أية بنود لحماية المواطن, مما يؤكد غياب من يمثل مصلحته في مثل هذه الاتفاقيات. وبالذات في حالة الوفاة؛ حيث نصت على أنه يحق للصندوق وقف تقديم مبلغ الدعم السكني بشكل نهائي, كما أعطت الحق للمُمول باتخاذ ما يراه في حال الوفاة, والأمر نفسه فيما يخص تنظيم حالات الفسخ والتأخر عن السداد, حيث لا يجوز أن تُترك لقرار البنك الأحادي، وبالذات فيما يخص طريقة بيع العقار وإجراءاته وتسعيره, والتحاسب بين الطرفين في حال السداد المُبكر أو حالات التعثر، ناهيك عن أن توزيع حساب العمولات على الأقساط قد تُرك للبنك وحده. مما يستوجب إعادة تنظيم العلاقة بين الأطراف بما يحمي عقد تمويل سكن المواطن واستقراره.

ولا بأس أن تعرض الوزارة هذه العقود للمراجعة وأخذ رأي المختصين والجمهور بشأنها. 

مكن الله وزارة الإسكان من القيام بمهمتها على الوجه الأكمل تحقيقاً لخدمة المواطنين وإسكانهم.