«الفوركس» والنضج المالي

16/05/2018 1
خالد بن صالح الغدير

عرض برنامج «معالي المواطن»، وبرنامج «تم» على السعودية حلقتين عن عمليات تداول العملات الإلكترونية المعروفة «بالفوركس» واستعرض المقدمان الشهيران الجوانب المهمة لهذا النوع من التداولات موضحين مخاطر هذه التداولات في جهد إعلامي توعوي جميل. استوقفني حديث ضيفي البرنامجين اللذين اتفقا على توجيه اللوم إلى البنوك ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال لعدم التصريح لشركات الفوركس لممارسة هذا النشاط وملمحين ومصرحين إلى أن عدم السماح للشركات الأجنبية التي تمارس هذا النشاط كان سبباً مهماً للجوء البعض الى هذا النوع من التعاملات وبالتالي وقوعهم ضحية وهو رأي فيه تعاطف مع الضحايا المشاركين إلا أنه لم يكن في محله وليس له أساس للأسباب التالية:

أولاً: هناك فرق كبير بين نشاط شركات الفوركس التي تعمل في الغرب بطريقة نظامية وبين عمليات النصب باسم عمليات الفوركس وعليه فإن أغلب إن لم يكن جميع الحالات التي سجلت مطالبات قد حدثت بواسطة محتالين يركبون كل موجة لإغراء الضحايا بالربح الكبير والسريع بالاتصال أو البريد الإلكتروني العشوائي أو نصب مصائدهم في حسابات وسائل التواصل فمرة يزعمون بأنهم يمارسون تجارة تداول العملات «الفوركس» ومرة تجارة الذهب والأحجار الكريمة حتى استثمار النفط لم يسلم من ادعائهم وكانت آخر مصائدهم الاستثمار في العملات الرقمية والبيتكوين، فهل الحل أن يتم التصريح لتداولات البيتكوين؟

ثانياً: لم يمنع وجود شركات قانونية ومتخصصة في الفوركس في دول كثيرة في الغرب وجود عمليات مشابهه تماماً للتحديات التي نواجهها.

ثالثاً: تقبل بعض الضحايا نصائح تلك العصابات مقابل وعود بالربح الكبير والسريع فساهموا في إخفاء الأمر عن البنك وأفشوا ارقامهم السرية للمحتالين وسمحوا لهم باستخدام حساباتهم وتمرير مبالغ من خلالها وهو ما جعلهم مسؤولين قانونياً عن ما حدث لهم.

رابعاً: بتحليل سمات ودوافع ضحايا العمليات تبين بأن حافزهم الأول هو إغراء الربح السريع والكبير ولم يكن من بين خياراتهم البحث عن قنوات استثمار جيدة وبالتالي فإن وجود شركات الفوركس لن يجعلها أحد خياراتهم إلا اذا قدمت ربحاً سريعاً وهذا لن يحدث.

وعليه فإن عدم التصريح لشركات الفوركس الأجنبية لا يرتبط بأي شكل كان بوجود عمليات النصب والاحتيال باسم الفوركس وغيرها والتي تحدث بتقصير شخصي من قبل الضحايا في عدم استشارة البنك وإفشاء الأرقام السرية أحياناً والتعامل مع جهات مجهولة دون التوثق بحثاً عن الربح السريع والكبير.

والحقيقة أن ظهور هذه المشكلة لم تكن بسبب ضعف جهود التوعية الكبيرة والمستمرة من قبل مؤسسة النقد والبنوك السعودية وهيئة سوق المال وجهات أخرى ولكنه يعود برأيي إلى ضعف النضج المالي لدى بعض فئات المجتمع مما جعل إغراءات المجرمين أقوى من مستوى الوعي فمجتمعنا صادق ونقي ويصدق بعضنا الأساليب الشيطانية التي تكسر الوعي وتوهم بالحقيقة. إنها مشكلة تتطلب من الجميع وخصوصاً اللجنة الدائمة التي أمر المقام السامي بإنشائها مؤخراً للتوعية بهذا النوع من المخاطر أولاً بالابتعاد عن أسلوب التوجيه والنصيحة والتركيز على تطوير تقنيات التوعية باستخدام أساليب مبتكرة مثل الميتافور (المثال الرمزي) والقصة وإبراز تجربة الضحايا بقالب توعوي ملفت واستخدام مشاهير المجتمع لإيصال الرسالة ثانياً. تكوين قاعدة بيانات شاملة ومفصلة لتلك الحالات وسيناريوهات حدوثها وسمات الضحايا وتحليلها وفهمها ومعرفة طرق تطورها وبالتالي تطوير طرق مكافحتها والتعامل معها.

نقلا عن الرياض