المقاهي والعمق الإنساني لِلْمُدن

11/05/2018 3
عبدالله الجعيثن

السعوديون من أكثر شعوب الأرض أسفاراً، وألاحظ مع أصدقائي أن المدن التي تشتهر بالمقاهي في الشوارع والزوايا، وحتى في الأحياء، تكون أكثر أُنْساً وإنسانية من المدن الصماء التي تندر فيها المقاهي المفتوحة في الهواء الطلق، ولعلّ من أسرار جاذبية باريس والقاهرة وفيينا للسياح كثرة مقاهيها المفتوحة المليئة بالناس.. الناس من أحلى مناظر الحياة.. يمنحون المدن عُمقاً إنسانياً، وحسّاً جميلاً بالحركة والحيوية والاحتفال بالحياة.. يُضاف أن كثرة المقاهي المفتوحة تُشكّل موارد اقتصادية مهمة، وتُوفّر فرص عمل كثيرة، وتُريح الناس من الانزواء في استراحات مخنوقة وعالية التكلفة.. كما هو حاصل في الرياض مثلاً.. هناك أيضاً بُعْدٌ ثقافي للمقاهي، (الفيشاوي) في القاهرة منتدى أدبي فكري مشهور، يرتاده الشعراء والأدباء والفنانون، ومقهى (ريش) كَتَبَ فيه نجيب محفوظ كثيراً من رواياته، وكان يُقيم فيه ندوة أسبوعية من عام 1962 وكذلك (مقهى الحرافيش) الذي استوحى منه نجيب محفوظ روايته الرائعة (الحرافيش)، وفي العراق مقهى (الزهاوي) أخذ اسمه من ذلك الشاعر وكان يزخر بالمثقفين، وكذلك مقاهي شارع الحمراء في بيروت تعج بالمفكرين، وتنبض بالحياة، وفي الحي اللاتيني بباريس تَعلّم وتدرّب ألوف الفنانين حتى صار مزاراً للسياح ناهيك عن (الشانزليزيه) الذي جماله في كثرة مقاهيه ..

وبمناسبة افتتاح (مؤتمر أنسنة المدن الدولي) والذي افتتحه سمو الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، نقترح أن تسمح أمانات المدن للمقاهي بالتمدد للخارج في الارتداد، وعلى الأرصفة، مع وضع مواصفات جمالية لجلساتها، من أحواض الزهور إلى مُلّطِفات الجو (الضباب المائي) فإنّ هذايجعل المدن ذات عمق إنساني، تنبض بالحياة وتتيح للناس أوقاتاً بهيجة، وقليلة التكلفة مقارنة بالاستراحات..

وأذكر أن الدكتور سعود المصيبيح ابتكر فكرة (مقهى للتعارف) لا يدخله إلّا من يريدون التعرف على بعض، انطلاقاً من قول الله جلّ وعز (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وتجسيداً للحكمة (تعارفوا تحابوا) وننتظر من الدكتور سعود تنفيذ فكرته الجميلة..

إنّ مدننا حديثة رحبة الشوارع والحدائق، ومنذ أيام افتتح سمو أمير منطقة الرياض فيصل بن بندر بن عبدالعزيز 19 متنزهاً وحديقةً جديدةً على مساحة 159 ألف متر مربع، كما أن ساحات البلدية في العاصمة كثيرة (وفي وسط الرياض بقرب مجمع التعمير) ساحات رائعة صُنّفت عالمياً من أفضل الساحات المفتوحة في العالم.. زُرتها مراراً ولكنها على رحابتها وسعتها وجمالها لا يوجد فيها أي مقهى! ويندر وجود السعوديين فيها! مع أنها إذا ازدهرت بالمقاهي وزُينت بأحواض الورود سوف تكون جذّابة جدا للمواطن والوافد والسائح، وفرصة للتعارف وعمقاً إنسانياً للمدينة.


نقلا عن الرياض