هذا ما يجعل مستثمراً ذكياً يبدو غبياً جداً

12/03/2018 3
مازن السديري

المحللون الماليون ومديرو الصناديق والاستثمار الأذكياء لا تنقصهم الكفاءة في المعرفة والتطور فهم مجتهدون ومتابعون لكل جديد من المتغيرات، ويمتلكون القدرات العلمية لفهم وتفسير القوانين والنتائج، لكن يوجد عيب يمكن أن يجرف هذه العقول الجميلة إلى الطريق الخطأ من دون أن تشعر أو تدري. قبل أكثر من عشرين عاماً انفجرت في الولايات المتحدة قضية (سيمبسون) لاعب الكرة الشهير عندما اُتهم بقتل زوجته، وظلت القضية لشهور وكنّا نتابعها في المملكة عبر القنوات الفضائية، كانت القضية واضحة للمتابعين وحسب الأدلة التي أتاحتها المحكمة لأي متابع سواء نتائج DNA أو البصمات وعينات الدم الموجودة على ملابس المتهم بأن (سيمبسون) هو القاتل، وفي استفتاء أجرته إحدى المجلات العربية وقت ذاك للمتابعين العرب للقضية في عدة مدن عربية كانت نتيجتها بأن أغلب المشاركين توقعوا إدانة سيمبسون بالجريمة الواضحة لكن المفاجأة جاءت ببراءته بأغلبية ساحقة من محلفي المحكمة.

السبب لاختلاف الاستفتاء الذي أجرته المجلة العربية قياساً بحكم المحكمة المخالف هو أن المتابع العربي كان يشاهد تفاصيل القضية وهو متحرر من أي تحيز ضد أو مع السود في الولايات المتحدة، وأغلب العرب لا يعرف أصلاً حجم حساسية الموضوع بخلاف هيئة المحلفين التي أصدرت الحكم والتي تتكون في غالبها من السود البسيطين والذين لا تزال في أعماقهم ترسبات الماضي من التفرقة العنصرية وظلمها، وعندما انفضح التعصب العنصري لدى المحقق الأساسي للقضية (فيرمان) والعثور على تسجيلات يصف فيها السود بالعبيد ويتمنى قتلهم خلق هذا استفزازاً وردةَ فعل قوية في نفوس هيئة المحلفين التي أغلب أعضائها من السود ما جعلهم يتعاطفون مع المتهم الأسود سيمبسون واكتفوا بدليل سطحي على براءته وهو أن (القفازات) الموجودة في مكان الجريمة لا تطابق يده مع أنه شوهد عدة مرات وهو يحملها، واختلاف الحجم لا يمنعه من تنفيذ الجريمة بها. إن انحراف العقل حول قناعات قديمة دون مراجعتها أو تراكمات عاطفية قد يجره إلى أخطاء فادحة برغم علمه ومعرفته. واليوم مع تطور التقنية وسرعة انتشار المعلومة للأسف نجد الأمر زاد استفحالاً، الكثير في تويتر يتابعون من يتفق معهم لا من يرفع سقف مفاهيمهم، وفي Facebook وغوغل يقومون بتغذية المعلومات بالشكل الذي يحبه المتابعون وبالتالي تتعزز القناعات القديمة والتي ممكن أن تحركك نحو القرار الخاطئ.

ما رأيك إذا اختلفت الآراء والتقديرات في الاقتصاد العالمي، البترول مثلاً والذي تربطه علاقة عميقة مع اقتصاد المملكة، وكالة الطاقة الدولية قدمت تقديراً معيناً لنمو الانتاج الأميركي وباحث في جامعة MIT يشكك، بمن سوف تقتنع، مع الباحث الذي شكوكه تجذبك نحو ارتفاع أسعار البترول أم الوكالة، يوجد أيضاً خبيران كبيران في الولايات المتحدة (بيرتمان) والآخر هو (لينش) حول صناعة البترول، ولكل منهما رأي مخالف حول مستقبل النفط الأميركي، وكل رأي قائم على قواعد علمية، هل سوف تؤيد من يشجع عواطفك حول مستقبل النفط أو من يشجع التشاؤم والانحياز، وفي كلا الحالتين يكون التوجه عاطفياً. سوف تجد سواء في أسعار السلع والأصول ومعدلات النمو مراكز أبحاث ومحللين ذوي قدر يدعمون توجهاً معيناً وآخرين توجهاً مخالفاً، المهارة ليست بأن تقرأ الأبحاث وتتابع التقارير، لكن أولاً أن تنظر إلى الصورة بشكل كامل، وثانياً وهو الأصعب أن تقيّم اختلاف وجهات النظر بموضوعية بعيداً عن العواطف التي يمكن أن تجعل محللاً ذكياً يبدو غبياً جداً جداً.

 

نقلا عن الرياض