هل الصناعة المالية الإسلامية نتاج اجتهادات فردية؟

16/01/2018 4
فيصل عبدالباسط المؤمن

في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي تنادى علماء وخبراء مختصون إلى إنشاء مصارف إسلامية تهدف إلى توفير بدائل شرعية عن المعاملات الربوية وتلك المتضمنة الغرر والظلم وذلك من خلال إيجاد صيغ إسلامية تلبي حاجة العملاء المالية، فبدأت في مصر عام 1963م كبنوك ادخار محلية، ثم تطورت الفكرة الأولية للمصارف الإسلامية على مدار العقود الماضية، وتوسعت لتشمل منتجات مصرفية كالتمويل الشخصي والعقاري وحسابات الودائع، وتشمل كذلك منتجات الشركات الاستثمارية كصناديق الاستثمار وإدارة المحافظ المالية، بالإضافة إلى منتجات شركات التأمين التكافلي. هذا التوسع النوعي كان أحد العوامل التي أتاحت للصناعة المالية الإسلامية النجاح والقبول الذي عزز توسعها الجغرافي حول العالم حيث قامت بعض الدول الأوروبية كبريطانيا بتقديم المنتجات المصرفية الإسلامية من خلال إنشاء بنوك إسلامية أو فتح نوافذ إسلامية في بنوك تقليدية. 

قبل التحاقي بالصناعة المالية كنت -ككثيرين- أحمل صورة غير واضحة المعالم عن الصناعة المالية الإسلامية، وبعد التحاقي بها وماتطلبه ذلك من مطالعة المراجع الشرعية لبحث مسائل في المعاملات المالية، وحضور المنتديات العلمية؛ كشف لي ذلك الكثير من الجهود العلمية الشرعية الكبيرة، المبثوثة في مئات المؤلفات الشرعية قديمًا وحديثًا، في طليعتها كتب المذاهب الفقهية الأربعة التي تناولت المعاملات المالية المتعددة في أبواب البيوع على امتداد التاريخ الإسلامي، وتلك المؤلفات التي بحثت موضوعات محددة في المعاملات المالية والمعاملات المالية المعاصرة، إضافةً إلى الرسائل والبحوث العلمية المتجددة في فقه المعاملات المالية الإسلامية على مستوى جامعات العالم الإسلامي والمجامع الفقهية ومراكز البحوث والجمعيات الأكاديمية والمجلات المحكّمة.

كما نشأت على امتداد العقود الماضية منظمات وهيئات دولية غير ربحية داعمة للمؤسسات المالية الإسلامية ولها منجزات مهنية بالغة الأثر على رأسها وضع المعايير التي تعزز سلامة واستقرار الصناعة المالية الإسلامية كمجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) في دولة ماليزيا، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية التي تعرف اختصارًا بـ (أيوفي –AAOIFI) في دولة البحرين حيث صدر عن أيوفي مايزيد عن 60 معيارًا شرعيًا اُعتمدت في مجالسها الشرعية المكونة من عشرات العلماء المرشحين على امتداد البلدان الإسلامية. 

وتقيم أيوفي مؤتمرًا علميًا سنويًا للهيئات الشرعية يقدم فيه نخبة من العلماء والمختصون حول العالم الإسلامي الأبحاث والأوراق العلمية الشرعية التي تناقش آخر ماوصلت إليه الصناعة المالية الإسلامية من قضايا ومستجدات. شاركهم في ذلك الخبراء والمختصون في المجالات الأخرى ذات العلاقة كالقانون والمحاسبة والمالية حتى يضيفوا لها التوصيف والمعالجة الفنية الدقيقة، التي لاتنفك عن التصور الشرعي الكامل للمنتجات المالية الإسلامية.

وجهود العلماء والخبراء وتلك المنظمات والهيئات مستمرة لتطوير الصناعة المالية الإسلامية من جميع الجوانب الشرعية والقانونية والفنية والرقابية.

ومع تلك الجهود العلمية الكبيرة تتفرع مسائل مالية تكثر فيها الآراء الشرعية والنقاشات حولها مابين إباحة وتحريم؛ لذلك ستناقش المقالة القادمة الموقف من تلك الآراء الشرعية المتعددة وكيفية التعامل معها.

خاص_الفابيتا