حماية المجتمع .. حماية للإصلاح الاقتصادي

08/01/2018 0
عبد الحميد العمري

جاء الأمر الملكي السامي الأخير ليؤكد مرة أخرى، أن المجتمع السعودي كما أنه يعد الهدف الأول للقيام بما يجري من إصلاحات اقتصادية واسعة، وضمان لاستقرار مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة، فإنه أيضا الطرف الأولى بحمايته من أية انعكاسات محتملة لتلك الإصلاحات، وهنا تستقيم المعادلة بين توازنات الحاضر والمستقبل، وأن لا مجال للوصول إلى الأهداف النهائية لأية إصلاحات اقتصادية واجتماعية، دون الأخذ في عين الاعتبار ضرورة المحافظة على مقدرات المجتمع والاقتصاد الوطني في الوقت الراهن.

لقد ترجم الأمر الملكي السامي فعليا ما سبق الإعلان عنه إبان تدشين برامج الإصلاحات الاقتصادية قبل نحو عامين، وأنه كما تقع مسؤولية تحقيق الأهداف النهائية لتلك البرامج على الأجهزة الحكومية كافة وشراكة القطاع الخاص، فإن أحد البنود المهمة لتلك المسؤوليات يتمثل في حماية المجتمع ومقدراته من أية انعكاسات محتملة، والتأكيد على أن تلك الحماية جزء لا يتجزأ من حماية مشاريع وبرامج الإصلاحات الاقتصادية الراهنة ومستقبلا، وأنه لا يمكن أن يستقيم أمر لأي طرف من الطرفين هنا، دون أن يتم إيلاء الحماية والعناية القصوى للطرفين على حد سواء، وأنه لا مجال على الإطلاق لتغليب مصلحة طرف على حساب مصلحة الطرف الآخر، فهما في الحقيقة الطرفان اللذان يكمل أحدهما الآخر، وهما المشكلان الرئيسان والأهم لمنظومة تنفيذ "رؤية المملكة 2030"، وجميع البرامج التنفيذية التي انبثقت عن تلك الرؤية المستقبلية.

كان مأخوذا في الحسبان مسبقا، أن أية إصلاحات اقتصادية مهما كان حجمها، ستكون لها انعكاسات مختلفة الدرجات والمستويات على بقية الأطراف الراهنة على الأرض، وحينما تأتي الإصلاحات أعمق وأكثر شمولية، فلا شك أن انعكاساتها وآثارها ستأتي قوية بالقدر نفسه من العمق والشمولية، ولهذا وضعت الاستراتيجيات المساندة للتعامل مع تلك الانعكاسات المحتملة، لعل من أبرزها ذكرا هنا: (1) الاستراتيجية المتعلقة بحماية المواطن وأسرته من أية انعكاسات محتملة، والعمل على تخفيف الضغوط الناتجة عن تنفيذ برامج الإصلاحات الاقتصادية تلك، التي تمثلت في "حساب المواطن" كأداة تتولى توفير أحزمة الحماية الاجتماعية والاقتصادية للأسر السعودية ذات الدخل الأدنى والمتوسط، والعمل على تخفيف الضغوط المالية بشكل جزئي للأسر الأعلى منها دخلا، تم تخصيص ما قيمته 32 مليار ريال خلال العام الجاري لتمويل الأدوار والمسؤوليات الملقاة على كاهل إدارة حساب المواطن. (2) الاستراتيجية المتعلقة بتحفيز منشآت القطاع الخاص، التي تستهدف بصورة رئيسة ضمان استقرار نشاط تلك المنشآت، والمحافظة على استدامة وفائها بمسؤولياتها تجاه الاقتصاد الوطني، سواء على مستوى مساهمتها في النمو والاستقرار الاقتصاديين، أو على مستوى اضطلاعها بتوليد وإحلال الوظائف أمام الباحثين عن فرص عمل من المواطنين والمواطنات، وتم تخصيص نحو 72 مليار ريال لأجل الوفاء بمتطلبات تحقيق هذه الاستراتيجية الداعمة للقطاع الخاص.

وجاء الأمر الملكي السامي متمما لهاتين الاستراتيجيتين، وتأكيدا لجدية الدولة في توجهها نحو إتمام جهودها الإصلاحية التي بدأتها ولن تتراجع عنها أبدا، وفي الوقت ذاته تأكيدا لبذل الجهود القصوى من أجل حماية مقدرات المجتمع والاقتصاد الوطني على حد سواء. وهذا هو المعنى القويم لما يجري العمل عليه في الوقت الراهن، وليس كما ظن البعض لقصور فهمه أنه تغيير للبرامج أو تأجيل لها أو لأي سبب آخر مستنتج منه وغير صحيح. إنه الأمر الملكي الذي يصب أهدافه النهائية في الضرورة القصوى لحماية "الرؤية" وبرامجها من جانب، ومن جانب آخر لحماية المستهدف بتنفيذ تلك "الرؤية" وبرامجها التنفيذية كافة، ممثلا في المجتمع السعودي واقتصاده الوطني على حد سواء.

أدركت الدولة في وقت مبكر أنه لضخامة الأهداف النهائية لـ"الرؤية" المستقبلية لبلادنا والبرامج التنفيذية، التي تذهب بعيدا إلى إيجاد وتشكيل اقتصاد ومجتمع سيختلف تماما عما هو عليه الحال والوضع في الوقت الراهن، لا شك أن ذلك سيعترضه الكثير من التحديات التنموية الجسيمة، وستعترضه مقاومة الكثير من التشوهات الهيكلية الراهنة، عدا ما قد ينتج عنه من انعكاسات مختلفة عبر المراحل الراهنة ومستقبلا وقت التنفيذ. كل هذا الإدراك أفضى إلى ضرورة ابتكار عديد من الاستراتيجيات والأدوات اللازمة للتعامل مع تلك التحديات والمعوقات، وهي الخطوات الجادة التي قامت وتقوم بحماية تقدم إجراءات التنفيذ الفعلي لـ"رؤية المملكة 2030"، وجميع برامجها التنفيذية المنبثقة عنها، فلا تنازل على الإطلاق عن تحقيق تلك الأهداف النهائية الطموحة اقتصاديا واجتماعيا، وفي الوقت ذاته لا مجال للتأخر عن دعم وحماية مقدرات المجتمع والاقتصاد الوطني ونحن في طريقنا المشترك نحو تحقيق تلك الأهداف. والله ولي التوفيق.

 

نقلا عن الاقتصادية